اللهم إني أسألك

قلت المدون  تم بحمد الله ثم قلت :سبحانك وبحمدك وأستغفرك أنت الله الشافي الكافي الرحمن الرحيم الغفار الغفور القادر القدير المقتدر الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور... الواحد الأحد الواجد الماجد الملك المغيث لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ..لك الملك ولك الحمد وأنت علي كل شيئ قدير ولا حول ولا قوة إلا بك وأستغفرك اللهم بحق أن لك هذه الأسماء وكل الأسماء الحسني أسألك أن تََشفني شفاءا لا يُغادر سقما وأن تَكفني كل همي وتفرج كل كربي وتكشف البأساء والضراء عني وأن تتولي أمري وتغفر لي ذنبي وأن تشرح لي صدري وأن تُيسر لي أمري وأن تحلل عُقْدَةً من لساني يفقهوا قولي وأن تغنني بفضلك عمن سواك اللهم أصلحني: حالي وبالي وأعتقني في الدارين وخُذ بيدي يا ربي وأخرجني من الظلمات الي النور بفضلك وأن ترحم وتغفر لوالديَّ ومن مات من اخوتي وان تغفر لهم أجمعين وكل من مات علي الايمان والتوبة اللهم آمين  اللهم تقبل واستجب

Translate

الأربعاء، 8 فبراير 2023

ملخص الأجوبة الجلية ف لمحمد بن علي الطيبي الدمشقي + كتاب المقدمة الزهرا في إيضاح الإمامة الكبرى للذهبي

من ويكي .. ملخص الأجوبة الجلية لكاتبه زيادة بن يحيى الراسي، طبع قديما على هامش إظهار الحق.

ملخص الأجوبة الجلية في دحض دعوات أهل الكتاب

المقدمة

حمدا لمن رفع قدر من تواضع لربوبيته ومنحه من أسباب البيان وأعز شأن من انتصب لنصر دينه وإقامة حجته وفتح له من أبواب التبيان.

والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد ذي الجاه الرفيع الذي مهد بماضي العزم قواعد الإيمان، وعلى آله وأصحابه أولي القوة في الدين والحصن المنيع، من خفضوا بعامل الجزم كلمة البهتان.

أما بعد، فيقول العبد الفقير محمد الطيبي المعترف بالعجز والتقصير: قد طلب مني بعض الإخوان أصلح الله لي ولهم الحال والشان، أن ألخص "الأجوبة الجلية لدحض الدعوات النصرانية" كما لخصت "البحث الصريح في أي دين هو الصحيح"، فأجبته إلى سؤاله لعلمي بصلاح حاله، مع أني لست أهلا لذلك، والله أعلم بما هنالك.

فأقول: لما ألف المرحوم الشيخ زيادة كتابه المسمى بالبحث الصريح عندما تشرف بدين الإسلام في القرن الحادي عشر، أرسله إلى المنيع، وهو رجل من محبيه في مصر القاهرة، ليرشده إلى ذلك. فسلم جميع قضاياه، وعزم على الإسلام، فاجتمع عليه جماعة من علماء النصارى وأوردوا عليه أسئلة تهدم – بظاهرها – هذا الدين الشريف. فعند ذلك توقف عن الدخول فيه وكتب تلك الأسئلة وأرسلها إلى المرحوم الشيخ زيادة. فعند ذلك ألف " الأجوبة الجلية لدحض الدعوات النصرانية" وأرسلها إلى محبه المتقدم. فغب الوقوف عليه أسلم وحسن إسلامه باطلاعه على عين الحقيقة والسر المكنون. وبطل ما كانوا يعملون.

واعلم ان المرحوم الشيخ زيادة أقنع الخصم بما عنده من نحو التوراة الموجودة الآن. وبذلك تميز تأليفه على غيره. وإلا فالاقناع في الحقيقة ونفس الأمر حاصل عند المصنف من قبل. وحيث كان هذا المؤلف متضمنا إلى ما تيسر من الأجوبة الجلية، اقتضى أن يذكر فيه ما استشهد به المرحوم الشيخ زيادة من التوراة والإنجيل الموجودين الآن، وإن لم يكونا حجة، لما هو مبسوط في البحث الصريح.

فمن الأسئلة: إن الدين المحمدي خاص بالعرب، فلا يلزمهم اتباعه لقوله تعالى { ولتنذر أم القرى ومن حولها }. وقوله تعالى { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه } وقوله تعالى: { لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك }.

وحاصل الجواب: إنه كما ورد في القرآن العظيم التخصيص في نحو هذه الآيات، ورد التعميم في غيرها، فقد قال الله تعالى: { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } ونحو ذلك من الآيات الدالة على عموم رسالته ﷺ، وهي كثيرة.

وقد اتفق نحو ذلك مع سيدنا عيسى عليه السلام لأنه قال لتلاميذه الحواريين: «إني لم أرسل إلا إلى الخراف الضالة من بني إسرائيل» [1] و «انطلقوا خاصة إلى الخراف الضالة من بني إسرائيل» [2] ثم قال: «انطلقوا إلى العالم أجمع وبشروهم بالإنجيل» [3] إلى غير ذلك. فخصص ثم عمم، وكذلك المصطفى ﷺ جاء الأمر عليه بالتخصيص والتعميم.

فإن قيل: قال الله تعالى: { لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك } وقد خالف ﷺ حيث أنذر النصارى المنذَرين من طرف سيدنا عيسى.

أجيب: بأن سيدنا عيسى عليه السلام لم يخبر بأنه ابن الله بالذات والطبيعة، ولا بأن الله تعالى ثالث ثلاثة أقانيم، حتى يكون نبيا محقوقا في إنذاره لهم، بل هم الذين ابتدعوا هذه الآراء من عند أنفسهم، ولم يسلكوا طريق إنذار سيدنا عيسى عليه السلام، فهم غير منذَرين.

وأيضا لم ينذر نبينا عليه الصلاة والسلام من تلقاء نفسه، فقد أمره الله تعالى بذلك، في نحو قوله سبحانه: { وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا }

ومن الأسئلة: أنه ورد في القرآن العظيم مدح النصارى والإنجيل والمسيح وآياته، ولا ينبغي ترك ما ورد في مدحه.

وحاصل الجواب: إن مدح سيدنا عيسى عليه السلام واجب معلوم من الدين بالضرورة. وأما مدح النصارى والإنجيل فإنه منصرف إلى الإنجيل الخالي من التحريف والنصارى الذين انعقدت آراؤهم على ذلك الإنجيل الصحيح، بخلاف من انحرف من النصارى عما ذكر، فإنه لم يمدح بشيء من القرآن، بل جاء فيه نحو قوله تعالى: { ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون }

ومن الأسئلة: أن النبي عليه السلام لم يكن عارفا بحقيقة أمره لقوله تعالى: { وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين } وقوله تعالى: { اهدنا الصراط المستقيم }، وحيث طلب منه الهداية فيكون غير مهتد. فكيف يجب اتباعه؟

وحاصل ما أجاب به رحمه الله: أن لذلك نظرا، وهو أن داود النبي عليه السلام قال: «اهدني يا رب إلى عدلك، وعرفني يا رب الطريق التي أسلك فيها ». [4] وإن الآية الأولى التي تدل على التشكيك والإيهام على السامعين كما فهم، لا تدل على شك النبي ﷺ.

ولذلك نظير في سفر التكوين من التوراة، وهو قوله تعالى على زعمهم: «إن صراخ سادوم وعامورة قد كثر، وخطيئتهم ثقلت جدا. أنزل وأنظر إن كان فعلهم يشاكل الصراخ الآتي أم لا لأعلم ذلك». [5] فلو تعين الشك في الآية الشريفة لتعين هنا. وحينئذ يكون مراده النزول إلى سادوم ليتحقق الصراح الذي سمعه، لعدم وقوفه على حقيقته – تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

ومنها: أنه جاء في القرآن عن سيدنا عيسى عليه السلام: { هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون }[6] وذلك يثبت الألوهية الحقيقية له عليه السلام.

وحاصل ما أجاب به رحمه الله: إن ذلك المستشكل حرف واستشكل. فإن الضمير عائد لله تعالى، لا لسيدنا عيسى عليه السلام.

ومنها: أنه يستنتج من القرآن العظيم أن المعجزات لم تجر على يدي نبينا ﷺ.

وحاصل الجواب: أن ما استدل به من القرآن لا ينتج هذه الدعوى، كما أطال به المرحوم الشيخ زيادة فارجع إليه. على أن القرآن هو نفس المعجزة كما يظهر ذلك لمن له وقوف على علم المعاني والبيان.

ومنها: أنه جاء في القرآن القصاص والعفو. وهما متناقضان.

وحاصل الجواب: إن توهم التناقض في نحو ذلك ناشئ عن الجهل بحقيقة التناقض، كما يرشد إلى ذلك قوله تعالى: { وأن تعفوا أقرب للتقوى }.

ومنها: قوله تعالى { إنا أنزلناه قرآنا عربيا } مع أن فيه بعض كلمات أعجمية.

وحاصل الجواب: إنها وإن تك أعجمية فهي معربة. على أنه لا يبطل نعت تلك اللغة بواسطة بعض كلمات غريبة دخيلة عليها، كإبراهيم.

ومنها: قوله تعالى خطابا لبني إسرائيل: { وأني فضلتكم على العالمين } لأنه يدل على أن اليهود أفضل من المسلمين.

وحاصل الجواب: إن هذا التفضيل إنما هو لليهود القدماء الذين انفردوا في زمانهم بمعرفة الله تعالى، كما تفيده القرائن.

ومنها: ما جاء في القرآن العظيم من الطلاق والتحليل في قوله تعالى: { فإن طلقها من بعد فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره } وهذا غير حميد.

وحاصل الجواب: أن الطلاق ورد جوازه في التوراة بنص صريح، فهو جيد باعتقادكم. والتحليل لم يرد في القرآن بصورة الأمر فيكون واجبا على الزوج الأول ليستقبح، وإنما ورد للصعوبة على المطلق. فإذا أراد ردها إليه جاز له بعد التحليل الشرعي.

ومنها: أن القرآن العظيم يشهد أن الإنجيل فيه هدى ونور وأن التوراة يحكم بها النبيون، وأن المسلمين يقولون بتحريفهما، ومع ذلك يستشهدون بهما.

وحاصل الجواب: إن القرآن العظيم شهد بذلك للإنجيل والتوراة العاريين عن التحريف. وقد برهن في البحث الصريح كمختصره على تحريف ما بأيدي النصارى واليهود منهما. فالمحرف غير داخل في تلك الشهادة. فإن استشهدنا بهما نسشتهد بما يلوح عليه مطابقة الواقع لعدم التحريف. وإن قبحنا نقبح المحرف فقط. ومعاذ الله أن نعتقد بطلانهما، بل المحرف فيهما هو الباطل.

ومنها: أن القرآن العظيم أثبت طائفة من النصارى لا وجود لها في الدنيا في قوله تعالى: { لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة }

وحاصل الجواب: إنه وجد في تاريخ سعيد بن البطريق الذي صار بعد بطريركا على الإسكندرية أن فرقة من النصارى في الدهور المتقدمة كانت تعتقد هذا الاعتقاد نفسه. على أن لفظ ثالوث المستعمل الآن يفيد هذا المعنى.

ومنها: أن القرآن العظيم دل على وجود الحور والولدان والخمر واللبن والعسل في الجنة. وذلك كله يوجب الفساد.

وحاصل الجواب: إن الإنجيل يشهد بذلك أيضا كما بينه رحمه الله، فارجع إلى أجوبته. وكان يقتضي للنصارى أن يتعجبوا من كتابهم حيث دل على أن الملائكة الثلاثة الذين ضافوا عند سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام أكلوا عنده. [7] ويفسرونهم بأنهم أقانيم الله – تعالى سبحانه عن ذلك علوا كبيرا – وذلك محل التعجب لامتناع أكل الملائكة، كما دل عليه القرآن العظيم في هذه القصة، بخلاف أكل البشر في الجنة، لأنهم بحسب طبيعتهم يأكلون، وعند قيامهم من القبور يلبسون أجسادهم كاملة بآلتها الجوفية وأعضائها، حتى آلة التناسل، كما هو متفق عليه في سائر الكتب السماوية. فلا يتعجب من أكلهم في الجنة. على أن المسلمين لا يعتقدون ما ينشأ عن الأكل من المستقذرات، بل اعتقادهم أن ذلك يخرج منهم رشحا، كالعرق طيب الرائحة.

ووجود الحور والولدان:

أولا: لكمال الحظ بمعاشرتهم، بلا فساد وبكل طهارة، كما قال تعالى: { ولهم فيها أزواج مطهرة }

وثانيا: ربما تكون الولدان أولاد الكفار الذين ماتوا قبل البلوغ، لأنهم لم يصلوا إلى رتبة المؤمنين العاملين المخدومين، ولم يصدر منهم ما يستحقون به العذاب مع الكافرين.

ومنها: قول المسلمين إن اسم محمد عليه الصلاة والسلام مكتوب مع اسم الله تعالى على العرش. [8] وهذا تطرف.

وحاصل الجواب: إن التطرف إنما هو في رؤيا يوحنا الإنجيلي حيث رأى الله تعالى جالسا على كرسي ومع أربعة وعشرون شيخا. [9] فكيف يصح في العقل الجلوس مع ذات شريفة غير محدودة ولا محيزة؟ وحينئذ فالكتابة دون ذلك.

ومنها: تكرار أخبار القرآن العظيم وقراءاته السبعة، وأنه كان متفرقا ثم جمع، وأن ذلك يدل على ضعفه.

وحاصل الجواب: إن القراءات السبعة لا تغير المعاني المقصودة. فلو وجدنا لكلمة أكثر من معنى واحد وكانت تلك المعاني مقصودة لازمة، فهي من أصل الإنزال، وليست دخيلة ولا محرفة ولا متناقضة. وهذا بخلاف الإنجيل، فإنه يقرأ بقراءات يتغير فيها كثير من المعاني مع التناقض، كما بين بعضه في الأصل، فارجع إليه.

وأما التكرار الواقع في القرآن العظيم فهو إما لتقوية الوعظ والتعليم، أو لغير ذلك مما هو واضح في كتب المعاني والبديع. وأما جمعه بعد النبي ﷺ فله نظير عند النصارى، لأن الأناجيل جمعت في الدهر الثاني، أي بعد مائتي سنة من تاريخ سيدنا عيسى عليه السلام، وكانوا أكثر من ثلاثين إنجيلا، وقد ترك الأكثر واختفى، ووقع الاصطلاح على الأربعة الموجودة الآن.

ومنها: تقبيل سيد المرسلين الحجر الأسود وقول سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه إنه لا يضر ولا ينفع.

وحاصل الجواب: إن سيدنا موسى والأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا يكرمون تابوت العهد ويبخرونه. والنصارى تقبل الصور والأحجار وتسجد لها، مع ما في ذلك من مخالفة الشريعة التوراتية القائلة « لا تسجد لها ولا تعبدها ». فأنتم تقولون إن الصور والأحجار لا تضر ولا تنفع، وإكرامها عائد لله تعالى، ونحن كذلك.

وأقول: لما كان تقبيل الحجر الأسعد من الأمور التعبدية التي لم نطلع على حكمتها قبله سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه قائلا: «إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله ﷺ يقبلك ما قبلتك» إشارة إلى أن تقبيله أمر تعبدي، وأن الضار النافع في الحقيقة إنما هو الله تعالى وحده.

ومنها: وجود الناسخ والمنسوخ في القرآن العظيم، وأن ذلك لدفع التناقض فيه، حملوه على التناسخ.

وحاصل الجواب: إن نحو ذلك له وجود في التوراة والإنجيل – كما هو مبين في الأصل – فارجع إليه.

ومنها: أن النبي ﷺ أخذ موضع يتيمين وجعله مسجدا.

وحاصل الجواب: إنه عليه الصلاة والسلام أعطاهما عوضا زائدا، فلا حرج عليه.

ومنها: أنه عليه الصلاة والسلام أخذ أموال بني قينقاع، فقسمها على أصحابه.

وحاصل الجواب: إن نحو ذلك وقع لسيدنا موسى عليه السلام ولم يطعن في نبوته. على أن المعترض لم يقف على العلة في ذلك.

ومنها: أنه عليه الصلاة والسلام أرسل إلى رجل أعابه فقتله.

وحاصل الجواب: أنه إن سلم بذلك فقد سبقه بنحوه سيدنا داود عليه السلام.

ومنها: أن الذراع التي أخبرته عليه الصلاة والسلام أنها مسمومة حتى امتنع هو وأصحابه من الأكل منها: أكل منها بعض أصحابه ومات. فكيف لم يمنعه من الأكل منها؟

وحاصل الجواب: أنه عليه الصلاة والسلام أخبر بسمها فلم يصدقه الآكل. وفي ذلك حكمة بالغة، لأن موت الرجل الذي لم يصدق أثبت صحة تكلم الذراع على وجه المعجزة.

ومنها: أنه عليه الصلاة والسلام لو كان حقا من عند الله تعالى فلم يحفظه من كسر ثنيته وفدغ جبهته عليه الصلاة والسلام.

وحاصل الجواب: أن من ادعى إلوهية سيدنا عيسى عليه السلام وصلبه بعد ألام كثيرة مغلقا اللاهوت في الناسوت لا ينبغي له أن يتصور فدغ جبهة وكسر سن أمرا كبيرا.

ومنها: أن ما وقع من سيدنا موسى من القتل والسبي كان بأمر الله تعالى، ولا كذلك نبينا ﷺ.

وحاصل الجواب: أنه عليه الصلاة والسلام مأمور به وكان يغاث بالملائكة، كما نطق به الكتاب المجيد.

ومنها: أن بني إسرائيل كانوا يظفرون بحروبهم وأن المصطفى ﷺ لم يرتق إلى هذه الرتبة. فلو أمر بالقتال كما شهد له الكتاب لظفر كبني إسرائيل.

وحاصل الجواب: أن المعترض لا وقوف له على التوراة لأن الله تعالى لما أمر بني إسرائيل بقتال سبط بنيامين والظفر بهم صار الظفر لسبط بنيامين وغلب السبط بني إسرائيل غير مرة.

ومنها: أن علم الغيب من شروط النبوة ولم يكن عليه الصلاة والسلام يعلم الغيب.

وحاصل الجواب: أنه عليه الصلاة والسلام أخبر عن مغيبات كثيرة. منها توبة سيدنا آدم وقبولها خلافا لما ورد في التوراة. ومنها قصص عاد وثمود وغيرها مما لم يأت في التوراة. ومنها إيمان سيدنا إبراهيم عليه السلام وأسبابه وحديثه مع أبيه. ومنها غير ذلك مما يخالف ما ورد في التوراة المحرفة.

ومن الأسئلة: أنه عليه الصلاة والسلام لم يخبر عما سيحدث بعده في المستقبل كسيدنا عيسى عليه السلام حيث أخبر به.

وحاصل الجواب: أنه عليه الصلاة والسلام أخبر بكثير من المغيبات كما تقدم في القرآن العظيم والحديث الكريم. فمن أراد الاطلاع على شيء من ذلك فليراجع كتاب الشفاء ونحوه من كتب الحديث.

ومنها: أن سيدنا عيسى عليه السلام تميز عن نبينا ﷺ بما يثبت له الألوهية.

وحاصل الجواب: أن ذلك منقوض بما في البحث الصريح. وارجع إليه.

ومنها: أن الشرائع قسمان: عدلية وفضلية. وقد جاء بهما سيدنا موسى وعيسى عليهما السلام. وحيث لم يكن هناك قسم ثالث فلا حاجة إلى نبي آخر.

وحاصل الجواب: إن كلا من الشريعتين المرموقتين ضَعُف بالتحريف والإخفاء. وإن كل واحدة منهما على انفرادها غير تامة ولا آخذة بمفعوليتها، بل تفتقر إلى الأخرى. لأن اليهود لم ترضى إلا بقتل الزاني ومن شتم أباه ومن أحل السبت. والنصارى لم ترض إلا بترك الزاني وتحويل الخد الأيسر لمن ضرب منهم الخد الأيمن بغير قصاص وتأديب. فلما لم يأخذ كل من هاتين الشريعتين مفعوليته ولم يستطع أهل كل شريعة منهما العمل بشريعته على انفرادها اقتضى الأمر نبيا آخر يأتي بقوانين شرعية لم يأت بها من قبله. فكانت شريعته عليه الصلاة والسلام مشتملة على الشريعتين على أسلوب عجيب وهندام نسيب. بحيث صار لكل منهما مركز لائق.

ومنها: أنهم لم يجدوا اسم نبينا ﷺ وأفعاله وأوصافه الشريفة في كتبهم، ولم يفرض عليهم الانتقال إلى دينه الشريف.

وحاصل الجواب: أن هذا السؤال صادر من غير علمائهم وعقلائهم، لما هو معلوم من كتاب البحث الصريح فارجع إليه.

ومنها: أن دعواهم التثليث مأخوذة من التوراة، لقول الله تعالى لسيدنا موسى عليه السلام: «أنا هو إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب» وذلك ينتج الأقانيم الثلاثة، فكيف يدعي الإسلام أن ذلك إنما هو بدعة من عند أنفسهم؟

وحاصل الجواب: أن نفس التوراة تنقض هذه الدعوى لقوله تعالى: «أنا إله إبراهيم وإله إسحق. لا تخف يا يعقوب» [10] لأن ذلك ينتج أقنومين – على زعمهم – وهناك النتيجة ثلاثة. وهذا تناقض. على أن كلا من النتيجتين ينتج الجهل المركب. والعجب كل العجب من أذكيائهم الغافلين.

ومنها: وجوه كثيرة يزعمون أن بعضها ينتج التثليث وبعضها حجة في ألوهية سيدنا عيسى عليه السلام.

ولا طائل تحتها. فلا نطيل بها. ومن أراد الاطلاع على مفرداتها وأجوبتها فليرجع إلى الأصل.

ومنها: أن المسلمين يجسمون ويشبهون في قولهم إن لله يدين ووجها واستوى على العرش. فكيف يكفرون من اعتقد الأقانيم؟

وحاصل الجواب: أن بين القولين فرقا كبيرا، لأن أقوال المسلمين أوصاف ونعوث ثابتة له تعالى تقريبا إلى العقول، ليست ذواتا مشخصة، بخلاف الأقانيم. ومن العجب أن هذا المعترض لم يميز بين الصفات والذوات لأنه جعلهم بمنعى واحد، على أن في كتبهم كثيرا كهذه النعوت.

ومنها: قول النصارى: إن قالت المسلمون بأننا نقول إن الله تعالى جوهر، والجوهر هو الذي يشغل حيزا ويقبل عرضا، نقول لهم هذا في الجوهر الكثيف، أما الجوهر اللطيف، كالشمس والعقل والضوء، فلا يقبل الأعراض ولا يتحيز.

وحاصل الجواب: إن هذا قول بلّه، لأن كل شيء سوى الله تعالى يقبل الأعراض والتحيز جوهرا، ويقبل التحول عرضا. كما اجتمعت عليه الكتب الثلاثة وغيرهم وقام عليه البرهان النظري. لأن الشمس والعقل والضوء يتحيزون جوهرا ويقبلون التحول عرضا. فقرص الشمس جوهر متحيز وشعاعها عرض متحول.

ومنها: أنهم يجيبون عن تجسد أحد الأقانيم بالجسد الإنساني، دون الأقنومين الآخرين، بأن ذلك كالنار التي توقد تحت القدر الذي فيه الماء. فكما يمكن دخول حرارة النار في الماء دون الضياء من غير انفصل، يمكن اتحاد الابن في الناسوت مع وجوده في الأب.

وحاصل الجواب: إنه يلزم من ذلك رأيان كفريان يضادان ذات النصرانية. أحدهما أن وجود الحرارة في مكان على حدته دون الضياء عين الانفصال في المكان المجحود عند النصارى. وثانيهما أن تلك الحرارة التي دخلت الماء وليس لها خاصية الإحراق التي هي للحرارة التي مع الضوء، فيكون للحرارة المرقومة فعلان، وذلك مضاد لعقيدتهم أيضا. وهنا بحث لطيف تنبغي مراجعته من السؤال الثامن والأربعين في الأجوبة الجلية.

ومنها: أن المعجزات ثابتة لسيدنا عيسى دون غيره، وأنه إن سلم أن لغيره معجزة فلم يرتق إلى معجزاته، وأن النصارى يرون المعجزات بأبصارهم من الأحبار والرهبان.

وحاصل الجواب: أن ما ذكر باطل بما هو مبين في البحث الصريح، وأنه من تاريخ ستمائة سنة من سيدنا عيسى إلى آننا هذا لم نجد في كامل طوائف النصارى من يبرئ الأعمى ويقيم الميت من بركته وقداسة رهبنته. وكل طائفة منهم تدعي وجود معجزة تكذبها الطوائف الأخرى وتقيم البراهين على عدم وجودها البتة.

ومنها: قصة معراجه عليه الصلاة والسلام وأن ذلك يكرهه السمع ويبعد تصديقه.

وحاصل الجواب: أن لذلك نظيرا عند النصارى كخطف بولس إلى السماء الثالثة [11] على زعمهم وكذلك يوحنا الإنجيلي وأنه رأى في السماء أشياء لا يصدقها العقل. ومن قابل المعراج على رؤيا يوحنا المرموق المسلمة عند النصارى وجد في تلك الرؤيا أغرب وأبعد عن العقول مما في المعراج الشريف. على أن المعراج الشريف أخبر عنه سيدنا دانيال عليه السلام على ما هو عليه ذاتا وصفة، كما في الأصحاح السابع.

ومنها: أن النبي ﷺ كاتب ملك الحبشة والجزائر والروم والعرب وسبأ وأنذرهم، فأهدوه وقبل هديتهم، وتزوج بماريا القبطية التي قدمت له. وأن هذا وأمثاله دعوى من المسلمين بعيدة عن العقل.

وحاصل الجواب: إقناع الخصم من زبور سيدنا داود عليه السلام من المزمور الحادي والسبعين، فارجع إلى الأصل إن شئت.

ومنها: جملة حاصلتها الاستدلال على ألوهية سيدنا عيسى عليه السلام.

وحاصل الجواب: تحريف بعض النصوص وعدم فهم بعضها، كما هو موضح في الأصل، فارجع إليه.

ومنها: أن النصرانية طائفة طاهرة وأمة مهذبة لأنها لا تزال في صلاتها تدعو للخارجين عنها وتبارك وتصلي على من يحبها وعلى من يبغضها، وتقتني البتولية وترضى بامرأة واحدة وتمنع الطلاق. ومن هذه الأوصاف يظهر أنها روحانية.

وحاصل الجواب: أن البتولية ينشأ عنها أربع خطايا:

أحدها التحرق بالشهوة الرديئة التي حرمها بولس عندهم.

وثانيها إلقاء البذر – أعني المني – على الأرض. إما بالتسبب فيه أو بامتلاء الأوعية حتى يفيض بالطبيعة. وبسبب ذلك أهلك الله أونان الولد الثاني من أولاد يهوذا. [12]

وثالثها الوقوع في الزنا الذي بسببه صار إحراق سادوم وعامورة.

ورابعها قطع النسل المضاد لقوله تعالى على زعمهم «أثمروا وأكثروا». [13]

ويتولد عن حصر الرضا بامرأة واحدة أشياء كثيرة، منها احتمال المرأة المجنونة والعقيمة وقاطعة الحيض والتي تبول في الفراش والمريضة بالأمراض المزمنة. فربما يوقع ذلك بما توقع فيه البتولية.

وأما منع الطلاق فينشأ عنه أمور لا يطيقها ذو مروءة أصلا. منها أنها إذا زنت ولم يطلع عليه سوى زوجها لا يسوغ له طلاقها، فتختلط أولاده بأولاد غيره. ومنها احتمالها والصبر عليها وإن كانت سارقة وشريرة. فلذلك كان الطلاق جائزا في الشريعتين الموسوية والمحمدية. فمن وقع في نحو زنا امرأته طلقها. ومن وقع في ما دون ذلك فهو بالخيار، إن شاء طلقها وتزوج غيرها وإن شاء تزوج عليها.

ومنها: أن الله تعالى لما بدأ الخلق خلق للإنسان امرأة واحدة. وهي السيدة حواء، ولم يذكر تعالى إذ ذاك من أمر الطلاق شيئا. وهذا يؤيد طريقة النصارى.

وحاصل الجواب: أنه إن منع ضم شيء إلى ما شرع عند بدء الخلاق كانت الشرائع بأسرها ممنوعة. لأن شريعة سيدنا موسى بعد سيدنا آدم بنحو ألفين وخمسمائة سنة. ويمنع ما شرع من الختان في زمن سيدنا إبراهيم إذ لم يكن عهد آدم. كما أنه لم يؤمر بالصلاة. وحيث ثبت أمر الله تعالى بشرائع لم تكن عند بدء الخلق فتعدد الزوجات والطلاق من ذلك.

ومنها: قول النصارى حيث ثبت أن الأناجيل كانت أكثر من ثلاثين إنجيلا، فمنها ما دخله التحريف ومنها ما بقي بحاله – على زعمهم – فلم يم يميز القرآن الشريف بينهما؟ ولم لم يفد أن الإنجيل الفلاني هو الصحيح ليتبع دون غيره من المحرف؟

وحاصل الجواب: أن دعوى وجود إنجيل صحيح عند نزول القرآن غير مسلمة. ولئن سلمت فالقرآن ناسخ لسائر الكتب السماوية الصحيحة. فلا فائدة في التمييز. وأيضا: لو ميز القرآن إنجيلا مخصوصا وشهد له بالصحة، ربما دخله التحريف بعد. فيكون شاهدا له بما ليس فيه.

ومنها: سؤال صادر من صاحب الأصل مع جوابه.

وحاصلهما: ثبوت التحريف من زمن الحواريين بالدلائل القطعية عند النصارى.

ومنها: أن نبينا ﷺ كان فارسا شجاعا محاربا ظافرا متنعما معدودا من ذوي الرفعة. وهذا الصفات مضادة لصفات عيسى عليه السلام فلذلك استغربت نبوته ﷺ.

وحاصل الجواب: لا يلزم أن يأتي كل نبي بطريقة تشاكل طريقة سيدنا عيسى عليه السلام. لأن نوح وإبراهيم وموسى وهارون وداود وسليمان عليهم الصلاة والسلام مخالفون لسيدنا عيسى عليه السلام في الفقر والغنى وغيرهما، ولم تنكر نبوتهم عند النصارى. على أن ما وصفتم به نبينا ﷺ هو عين صفاته الدالة عليه في كتبكم، كما بينها صاحب الأصل، فارجع إليه.

صورة سؤال آخر ورد من المرقوم وحاصله: أيها السعيد إني ارتويت من كتابك الذي هو البحث الصريح ومن أجوبتك في هذا الكتاب. وحاصلهما أن عهدة زمان شريعة سيدنا عيسى عليه السلام قد انتهت. ومن البينات والتقارير فهمت ذلك فهما صحيحا. ولكن يوجد عندي شيء يقلق فكري؛ وهو أن النصرانية مع الأناجيل الأربعة التي بيدا تصرح بصلب سيدنا عيسى عليه السلام وقتله وموته. والقرآن العظيم تارة يفيد ذلك بقوله { يا عيسى إني متوفيك } وتارة يبطله بقوله: { وما قتلوه وما صلبوه } فمن ذلك انتزعت راحة سري وانزعج فكري. فأرجو منك أن تحلني من هذا الاشتباه الذي أورثني لذلك الانزعاج. وبذلك تصيرني ممنونا.

ومنها: أيها المحب الخاص، إنه لا يلزم جواب ذلك، نظرا لسامي فطنتك ووقوفك على أقاويل بعض العلماء من المسلمين ومطالعتك البحث الصريح الذي برهن على تحريف الأناجيل بما أقنع ضميرك. وحينئذ فقصة الصلب في الأناجيل على ما هي عليه من الموضوع المختلق المصنوع. وربما كانت تلك القصة على غير هذا الوجه، بحيث تطابق ما جاء في القرآن العظيم من أن الصلب وقع صوريا لا حقيقيا لأنه { شبه لهم }. ويؤيد ذلك ما نقله صاحب الأصل من الإنجيل مما يطول ذكره، فارجع إليه.

وأما ما يتوهم من التناقض الذي في القرآن العظيم بين قوله تعالى { وما صلبوه } وقوله { إني متوفيك } فيبطله نفس القرآن الشريف. فقد جاء التوفي فيه بمعنى النوم وبغير ذلك من المعاني. فقد قال تعالى: { الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها } وقال تعالى { تتوفاهم الملائكة طيبين } وقال تعالى { هو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون }

وحيث ظهر أن التوفي في القرآن العظيم غير مقصور على الموت بطل ما يتوهم من التناقض.

وبالاختصار، فدعوى الصلب ممنوعة بوجوه كثيرة مبرهن عليها في البحث الصريح والأجوبة الجلية بما لا يسع الخصم إلا اتباعه.

ومنها: أن القرآن العظيم يدل على أن بعض الوحوش تكلمت وكذلك الجن. وهذا محتقر عند النصارى، بعيد عن العقل.

وحاصل الجواب: أن لذلك نظيرا في الإنجيل والتوراة. فما توجه علينا يتوجه على النصارى، وما كان جوابا لهم فهو جواب لنا. على أن ذلك غير محتقر ولا بعيد.

ومنها: أن امرء القيس تكلم بشيء في بعض أشعاره ثم جاء بعينه في القرآن العظيم. وحينئذ يكون القرآن مقتبسا من امرئ القيس، وهذا أمر حقير يجب أن لا ينسب إلى الله تعالى.

وحاصل الجواب: أن ذلك لا يسمى اقتباسا من امرئ القيس حتى يكون كما ذكر، بل إرادته تعالى تعلقت بأن يتكلم امرؤ القيس بجملة من القرآن قبل نزوله. على أن لذلك نظيرا في كتب النصارى وهو أن كتب التوراة وجد فيها أحكام وشرائع كثيرة كانت من قبل في كتب عبدة الأوثان، فلما جاءت التوراة من عند الله تعالى لم تحتسب أنها كانت عند الكفرة ولم يتصور أحد من النصارى أن التوراة اقتبستها من تلك الكتب.

ومنها: سؤال متوجه على النصارى. وهو أنكم تدينون بشريعة سيدنا موسى عليه السلام مع أنها منسوخة بشريعتكم العيسوية.

وجوابهم: إن سيدنا عيسى عليه السلام جاء مكملا لشريعة سيدنا موسى عليه السلام لا ناسخا لها. لأنه قال «ما جئت لأحل الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأبطل لكن لأتمم» [14] وحينئذ فهم مأمورون باتباع الشريعتين.

وحاصل ما نقض به جوابهم: ما جاء في الإنجيل مما يدل على أن الإنجيل مبطل للتوراة كقوله «قد سمعتم ما قيل للأولين: العين بالعين والسن بالسن. وأنا أقول لكم: من ضربك على خدك الأيمن حول له الآخر» [15] وقوله: «قد سمعتم ما قيل للأولين: لا تحنث في يمينك، وأوف للرب قسمك. وأنا أقول لكم: لا تحلفوا البتة» [16] وقوله: «قد سمعتم ما قيل للأولين: حب قريبك وأبغض عدوك. وأنا أقول لكم: أحبوا أعداءكم وأحسنوا إليهم». [17] فهذا نص صريح في أن سيدنا عيسى عليه السلام أبدل الشريعة العدلية بالشريعة الفضلية وأمر بالعمل بموجبها فقط. وحيث كان العمل على غيرها منذ ظهر نبينا ﷺ كمل ولم يبطل، فلم أبطل النصارى ما كمله؟ فقد اختتن عيسى عليه السلام على مقتضى شريعة سيدنا موسى المطابقة في ذلك لشريعة سيدنا إبراهيم عليهما السلام. وأيضا لم أبطل النصارى السبت بالأحد، مع أن وصايا الله العشرة فرضت السبت؟ وسيدنا عيسى عليه السلام حفظه بكل وقار واحترام ولم يؤمر بالأحد. ثم إن ما تقدم من قول سيدنا عيسى عليه السلام «ما جئت لأبطل» [18] له وجود في الإنجيل، فهو مع ما قدمناه من المتناقضين. وبذلك يستدل على التحريف.

خاتمة

اعلم أن تلك الأجوبة لما وصلت إلى مصر وأقنعت الخصم الذي هو المنيع كتب إلى مرشده صاحب الأصل أن يلخص له الشهادات التوراتية والإنجيلية والزبورية التي تدل على نبينا ﷺ بوجه وجيز لا يمله المطالع ليجعلها عقدا ثمينا ويدركها مع غاية السهولة كلما قرأها ويترنم بها كلما سبرها. فأجابه لسؤاله وذكر له ما يدل على نبينا محمد ﷺ من تلك الكتب على الوجه الذي أراده. وقد أعرضت عنه خوف الملل، فراجعه إن شئت.

ثم أرسل المنيع إلى مرشده الشيخ زيادة كتابا هذا صورته:

«شكرا لمن وهبك هذه النعم الجسيمة وحمدا لمن لا يبخل في أداء العطايا الثمينة ومجدا للذي جعلك قارورة عطر تنعش قلوب ذوي العقول السليمة.

وإذ أنك صرت وسيطا لانتعاش فؤادي ونشلتني بعد موتي يا عمدة العلماء المدققين العظام وقدوة الجهابذة المحققين الفخام، وفضلك لا أنساه على الدوام أبدا، مورثا إياه لمن يبغي الحياة بعدك سرمدا.

ثم بعد ذلك قصدت أن أحرر لك ما قد وعيته من تعليمك وأبسط لدى الملأ جميع ما تصببت من تنغيم لكي يترنموا به، شاكرين لعزته تعالى خير المنعمين، ويعلموا أن من أجله أسلمت إسلاما حقيقيا قوليا وفعليا وفكريا. وقد أقنعت ضميري بعشرة ضوابط شرعية وتيقنت أن من يخالفها هو للحق جاحد ببراهيم محكمة»

ثم ذكر الضوابط العشرة وهي حاصل البحث الصريح والأجوبة الجلية، فلا نطيل بها لعلمها من محالها. ثم ختم نصه:

«والنتيجة من هذا جميعه أن هذه الضوابط العشرة التي شرحتها هي بحمد الله التي قادتني أن أكون مسلما مؤمنا، وأحوجتني وألزمتني أن أقول بأعلى صوتي: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله – صلى الله عليه وسلم وعلى آله الكرام وأصحابه أجمعين

تم الكتاب تكاملت ** نعم الإله لسامعه

وعفا الكريم بفضله ** وبجوده عن جامعه

في الجزء السابع الأسبوعي من العشر العاشر من الثلث الثالث من الثلث الثاني من الربع الثاني من التسع الثالث من العشر الثامن من الجزء الثالث عشر من هجرة خير البشر ﷺ، وذلك يوم السبت الذي هو غاية شهر جمادى الأولى سنة تسع وسبعين ومائتين وألف. وكان اختصاره في نحو يوم ونصف. نسأله تعالى نفع الأنام وحسن الختام.

هامش

متى 5: 17

متى 15: 24

متى 10: 6

مرقس 16: 15

مزمور 5: 8

التكوين 18: 20-21

غافر 68

التكوين 18

إنجيل برنابا

رؤيا يوحنا 4: 4

التكوين 31: 42

2 كورنثوس 12: 2

التكوين 38

التكوين 1: 28

متى 5: 17

متى 5: 39

متى 5: 34

متى 5: 53-54

===========

كتاب المقدمة الزهرا في إيضاح الإمامة الكبرى للذهبي

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى. اتفق أهل السنة والمعتزلة والمرجئة والخوارج والشيعة على وجوب الإمامة وأن الأمة فرض عليها الانقياد إلى إمام عدل، حاشا النجدية من الخوارج فقالوا لا تلزم الإمامة وإنما على الناس أن يتعاطوا الحق فيما بينهم، وهذا قول ساقط.

واتفق كل من ذكرنا على أنه لا يكون في وقت إلا إمام واحد، إلا محمد بن كَرّام وأبا الصباح السَّمَرقَندي وأصحابهما فإنهم أجازوا كون إمامين وأكثر في وقت واحد واحتجوا بقول الأنصار: "منا أمير ومنكم أمير" واحتجوا بأمر علي وابنه مع معاوية.

قلنا: قال عليه الصلاة والسلام: «إذا بويع أحد الخليفتين فاقتلوا الآخِر منهما»

قال تعالى: {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا}. فحرّم التفرق. ولو جوزنا إمامين لجاز الثالث، والرابع، بل في كل مدينة ٍإمامٌ أو قريةٍ، وفي ذلك فساد عريض وهلاك.

ثم الأنصار رجعوا عن قولهم وأطاعوا. وأما علي رضي الله عنه والحسن فإن النبي ﷺ أنذر بخارجة تخرج بين طائفتين تقتلها أولى الطائفتين بالحق، وكان قاتل تلك الطائفة أمير المؤمنين علي رضي الله عنه. فهو صاحب الحق بلا شك. ولذلك أخبر عليه الصلاة والسلام بأن عمارا تقتله الفئة الباغية.

وكان علي السابق إلى الإمامة، فمن نازعه فمخطئ مأجور مجتهد.

ثم قول الأنصار: "منا أمير" فمرادهم منا والٍ فإذا مات فمنكم وال، وهكذا أبدا؛ لا على أن يكون إمامان في وقت.

وأما معاوية وعلي فما سلّم أحدهما للآخر قط، وكذلك أمير المؤمنين الحسن رضي الله عنه، إلى أن سلمها إلى معاوية.

ورأينا الأنصار دعوا إلى سعد، والمهاجرين دعوا إلى أبي بكر رضي الله عنهما. وقعد علي في بيته، فما معه غير الزبير وآل بيته؛ فلم يَدْعُهم إلى نفسه ولا عقد بيعة، ثم تبين له الحق وأخبر أنه إنما تأخر عن مبايعة أبي بكر عتبا عليه إذ لم يشاوره، فأعلمه أبو بكر أنه استعجل خوفا من مبادرة أصحاب السقيفة.

ثم إن الكل رجعوا إلى طاعة الصديق لكمال أهليته -سوى سعد فقط- لا لرهبة من أبي بكر ولا لرغبة.

ولو قال من لا يعلم: بل خافوه؛ فترى ما الذي حملهم على طاعته وهو في السياق في استخلافه عليهم عمر؟ أكانوا يطعيون أخا بني تيم حيا وميتا في شأن الإمارة ويعصون سيد البشر ويُميتون نصه لابن عمه ويكتمونه! هذا والله لو قاله أحد من الصبيان ليُئس من فلاحهم، بل هذه المقولة سُلّم الزندقة.

ثم أن لو نازع الأمر علي وطلبه، مع فرط شجاعته وكمال رتبته وشرفه وسابقته، لبادر معه العباس سيد قريش، ومثل ابن عمته الزبير حواري رسول الله ﷺ، ومثل أبي سفيان بن حرب في بني أمية وأمثالهم.

ولقد صدق الصادق المصدوق حين يقول: «يأبى الله والمؤمنون أن يُختلف على أبي بكر» رضي الله عنه. فقل لي: ما الموجب لمحبتهم لأبي بكر وتقديمه ومبايعته؟ ألفرط قواه أم لكثرة بني تيم وسؤددهم أم لكثرة عبيده وأمواله؟

رجل بويع فغدا على يده أبرادٌ ليتكسب فيها وينفق على عياله، حتى ردّوه وفرضوا له في بيت المال نفقته المعروفة، فقام به وبخليفته عمر الدين وفتحت الممالك وزال ملك كسرى وقيصر والمقوقس وذل الشرك؛ فأرغم الله بأنفك يا باغضهما. ولكن حبك الشيء يعمي ويصم. ولو شاء الله بك الفلاح لأكثرت من قوله تعالى: {ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم} [1]

ثم العجب من الأنصار -الذين حبهم إيمان [2] والذين بايعوا نبيهم على الموت وآووه ونصروه وعادوا جماهير العرب، بل وحاربوا جيوش الروم والفرس والقبط، مع كثرتهم والتفافهم على سيدهم وكبيرهم سعد- كيف تخلوا عنه بمجيء ثلاثة أنفس من قريش غرباء عن بلدهم. فوالله ما انقادوا لهم وبايعوا الصديق إلا لما نُبِّهوا على الحق.

فرضنا أنهم عجزوا عن الثلاثة وجَبُنوا -وهذا فرض محال- أما كانوا يقولون: لا لنا ولا لكم أيها الثلاثة، بل لمن نصَّ الرسول عليه بالخلافة، بزعمك.

فَقَدْتُكَ يا دائص، ما أبطل حجتك وأشد هواك وشنعتك، ففيك شائبة من اليهود الذين جحدوا الحق وقتلوا الأنبياء. لك نفس أبو جهلية ومعاندة إبليسية؛ فلو تركت الهوى ونابذت الجهل وترديت بالعلم وانقدت للإنصاف لأفلحت.

أعاذنا الله وإياك من المكابرة والعناد.

فَكِّرْ فيما تقول؛ فإنك عمدت إلى السابقين الأولين [3] من أهل بدر وأهل بيعة الرضوان و {خير أمة أخرجت للناس} ومن قال الله تعالى فيهم: {أولئك هم الصادقون} [4] فرميتهم بخزية لا تكاد تقع من أوباش الأجناد ولا من مسلمة التتار، بل ولا من كفرتِهم ولا من حرامية الخوارزمية ولا من أذلة المنافقين؛ فأين يُذهب بعقلك؟

فانظر -ويحك- ما تقول وما يترتب على ما تزعم. فإنك تجعلهم شر الأمم وأظلم الطوائف وتنسبهم إلى النفاق وكتمان الدين. فوالله لو جرى بينهم منافسة وخصام على الإمرة -والعياذ بالله تعالى- لما ثنانا ذلك عن حبهم وتوقيرهم، فما زال الأصحاب يتنافسون ويغضب بعضهم من بعض ثم يفيئون إلى الصلح والمودة. فقد تألم موسى صلوات الله عليه من أخيه هارون عليه السلام وانزعج منه وأخذ بلحيته، ثم سكن واستغفر لنفسه ولأخيه. ثم هذان الخيّران أبو بكر وعمر قد اختصما كما في الحديث الثابت. [5] ثم هؤلاء الذين تأبّوا عن بيعة أبي بكر قد وقع بينهم، فقد اختصم علي والعباس رضي الله عنهما في قضية فدك وتحاكما إلى عمر، [6] فكان ماذا؟ ثم وقع بين علي وبين الزبير، وبين علي ومعاوية، وبلغوا إلى السيف باجتهاد كل واحد منهم، والله يغفر لهم ويرضى عنهم.

ثم هذا نبينا ﷺ قد تألم لابنته فاطمة وغضب لها لمّا بلغه أن أمير المؤمنين عليا عازمٌ على أن يتزوج عليها ابنة الشقي أبي جهل، [7] فلما رأى علي انزعاج النبي ﷺ للبغيضة النبوية تَرَكَ الخِطبة، وما نقصت أصلا رتبته بذلك عند النبي ﷺ. فقبَّحَ الله الجهل والهوى.

ثم أين كان علي والزبير وبنو هاشم في قوتهم وشجاعتهم عن قتل رجل تاجر يأخذ الأبراد على يده ويتكسب، قليل المال قليل العشيرة والخدم عديم الحرس والحُجّاب والتحرز، قد نافق وظلم وللنص كتم؟ وما الذي أخّر عليا وذويه عن اغتياله دفعا للباطل وإقامة للحق؟ بل عَلِمَ الفضل لأهله وبايع أبا بكر لسابقته وفضله رضي الله عنهما.

ثم لو قيل: إن كل الصحابة نسوا النص، فمن أين وقع للرافضة، ومن نقله إليهم؟ فهذا كله هوس محال.

وإن قالوا: قد قتل علي طائفةً من قريش فأثّر ذلك نفورا منه لعشائرهم وحقدا في نفوسهم؛ قلنا: هذا تمويه ضعيف وكذب صريح، لأنه إن ساغ لكم ذلك في بني عبد شمس وبني مخزوم وبني عبد الدار وبني عامر، فإنه قَتَلَ من كل قبيلة من هؤلاء رجلا أو اثنين، فقتل من بني عامر واحدا وهو عمرو بن عبد ود، وقتل من بني مخزوم وبني عبد الدار رجالا، وقتل من بني عبد شمس الوليد بن عُتبة والعاص بن سعيد بن العاص، وقتل عُقبة بن أبي مُعيط، في قول. فقد علم من له أدنى علم بالأخبار أن هذه القبائل لم يكن ولا لواحد منهم يوم السقيفة ذِكر ولا عقد ولا حل، اللهم إلا أبا سفيان، كان مائلا إلى عليٍّ عصبيةً ومنافسة لوصول الأمر إلى بني تيم لا للدين. وكان ابنه يزيد بن أبي سفيان وخالد بن سعيد بن العاص والحارث بن هشام مائلين إلى الأنصار تدينا. والأنصار هم قتلوا أبا جهل، وهو أخو الحارث بن هشام. ثم كان محمد بن أبي حذيفة بن عُتبة مع علي على معاوية.

فدعوا القحة وعرفونا من الذي قتل علي من الأنصار حتى يؤول بهم الحقد على كتمان حقه والتخلف عنه، فإن أكثرهم ما حاربوا معه.

ثم قد كان لطلحة والزبير وسعد من قتلى المشركين عِدة كما لعلي، فما الذي خصه بحقد ونفور دون هؤلاء؟

ثم آل بالرافضة قلة الحياء وصفاقة الوجوه وعدم الفكر فيما يتفوهون به إلى أن قالوا: حملَ الحقدُ والشحناء سعد بن أبي وقاص وربيعة بن زيد وابن عمر وأسامة ومحمد بن سلمة وأبا أيوب وأبا هريرة وزيدا، في أمثالهم من المهاجرين والأنصار، على التأخر عن بيعة علي رضي الله عنه.

قلت: ليت شعري أي كلمة خفية نُقلت أنها جرت بينهم وبينه؟ وإنما كان رأي هؤلاء وأشباههم أنهم لا يرون القتال في الفُرقة، فانجمعوا عن المحاربة. فلما وقع الاتفاق على معاوية ونزل له السيد الحسن عن الأمر سُمي عام الجماعة واتفقت الأمة كلها على رجل. وهذا يبين لك أن كل الموجودين في المملكة الإسلامية عامئذ رأوا جواز خلافة المفضول مع وجود الأفضل، فقد كان جماعة من الصحابة بايعوا معاوية وهم بيقين أفضل منه، كسعد وابن عمر والحسن وعدة من أهل بدر والحديبية، فكان ماذا؟ كان خليقا للإمارة شريفا مهيبا شجاعا حليما جوادا كثير المحاسن، على هنات له، فالله يسامحه ويعفو عنه، فهو أول الملوك وأحزمهم، ولم يبلغ إلى رتبة الخلفاء الراشدين، حاشا وكلا.

وكذلك قعد عن ابن الزبير ومروان جماعةٌ من الفضلاء، فلما انفرد عبد الملك بن مرون بالأمر بايعوه وأجمعوا عليه، لا رضًا عنه ولا عداوة لابن الزبير ولا تفضيلا لعبد الملك على من هو خير منه وأفضل. وإلى خَوْن الرافضة المنتهى.

ثم لو كان ما افتروه ممكنا، فما الذي دعا عمر إلى إدخاله في أهل الشورى، فقد أخرج من أهل الشورى قرابته: سعيد بن زيد العدوي البدري أحد العشرة، لكونه من عشيرته، وولده عبد الله بن عمر. فصحَّ أن أهل الحل والعقد هم خير أمة أنزلوا الإمام عليا منزلته، غير مغالين فيه ولا جافين عنه.

ثم لما دعاهم إلى البيعة وبايعه الملأ من المهاجرين والأنصار، ما رأينا أحدا منهم خاف منه لِما سلف منه في كتمان النص -على زعمكم وإفككم- ولا اعتذر إليه من المبايعة لمن قبله، ولا عنّف هو أحدا منهم على جحد النص ولا سبّه، فإنه صار إليه أزمة الأمور وزال مقتضى التقية وتمكن من الأضداد.

تلك عقول لكم كادها باريها وأضلها ولم يرد أن يهديها.

ولا -والله- رأينا الإمام أبا الحسن قال للصحابة وقد قُتل أمير الناس عمر وراح من يُخشى ويخاف: ويحكم كم هذا الظلم وحتى متى هذا الجحد وإلى كم تكتمون نص نبيكم عليه الصلاة والسلام فيَّ، وإلى كم تُعرضون عن فضلي البائن عليكم؟

هب أنه كظم وسكت، أما كان في بني هاشم أحد له شهامة وصدع بالحق يقول لهم هذا الكلام؟ أما كان العباس في جلالته ووقاره قادرا على أن يصرح فيهم بذلك، ولا عقيل بن أبي طالب الذي كان يداريه معاوية؟

فيا لله العجب من الهوى الذي في غلاة الشيعة والكذب.

ثم قل لي: أزالت الرأفة والمراقبة من قلوب سائر المؤمنين وسادة المجاهدين أن يعملوا في حق مثل علي بمقتضى أمر المصطفى ونصه ولا يبوحون بذكره إلى أن يقتل عثمان صبرا ويُبادر قتلتُه حينئذ وغيرهم من الكبراء إلى نصب علي إماما باجتهادهم، ولا يُقوون ذلك بإظهار ما يكتمونه من النص؟

لقد أسمعت لو ناديت حيا ** ولكن لا حياة لمن تنادي

إنها والله لإحدى الكبر، اتفاق جميع خير أمة أخرجت للناس من أوائل المغرب إلى خراسان ومن الجزيرة إلى أقصى اليمن على السكوت عن حق علي ومنعهم حقه، وليس ثَم شيء يخافونه قط ولا أحد يشاقونه. هذا هو المحال الممتنع. ثم من الغد يبايعونه ويطيعونه ويبذلون نفوسهم، مثل يوم صفين والجمل، والرؤوس تندر والدماء كالسيول والمصاحف ترفع على الرماح، والحالة هذه، ولا أحد ينعق بين القوم: ويحكم اتقوا الله وهلموا إلى نص نبيكم.

وهلا نطق الإمام علي بذلك يوم صفين، بل أجاب إلى حكم الحكمين.

وقال هشام بن الحكم الرافضي: كيف لا يجوز عليهم كتمان النص وقد قتل بعضهم بعضا؟

قلنا: يا جاهل، هذا أعظم حجة عليك، لأن عليا أول من قاتل حين افترق الناس، فما لحقهم لحقه. ولكن كان الفريقان مجتهدين متأولين، والله يغفر لهم، وعلي أولى بالحق ممن قاتله من الشاميين وغيرهم، فقد سماهم النبي ﷺ: "فئة باغية". ونحن نكف عما شجر بين الصحابة. وأنت بجهلك تفرق بينهم وتحط على سائرهم فيما لم يتشاجروا فيه. فأي الفريقين أحق بالأمن وأقرب إلى الورع؟

فلما استشهد الإمام علي وقام الحسن ثم أقبل في كتائب أمثال الجبال ومعه مئة ألف عِنان يموتون لموته، فما الذي جعله في سعة من تسليم الأمر إلى معاوية وإعانته على الضلال وإبطال حقه من العهد النبوي إليه وإلى أبيه؟ ثم يوافقه على ذلك أخوه الحسين الشهيد ويسكت، فما نقض يوما بيعة معاوية أبدا. فلما مات معاوية قام الحسين وسار يطلب الإمارة وتحرج من القعود عن الحرب، فقاتل حتى استشهد رضي الله عنه. فلولا أنه رأى مبايعته لمعاوية سائغة لفعل معه كما فعل مع يزيد. هذا ما لا يماري فيه منصف. فإن السبطين سلما الأمر إلى معاوية طائعين غير مكرهين وهما في عز ومنعة وجيش لجب؛ فدل ذلك على أنهما فعلا المباح، وأصلح الله تعالى بين الأمة بالسيد الحسن، وحقنت الدماء وسكنت الدهماء وانعقد الإجماع على مبايعة المفضول الكامل السياسة مع وجود الأفضل الأكمل. ولله الحمد.

ولو امتنع السبطان في ذلك الوقت ونواصي العرب في يد الحسن لا شك أن يكون لهم النصرة على أهل الشام.

فهذا زياد، ومن هو زياد، امتنع، وهو فقعة القاع لا عشيرة له ولا نسب ولا سابقة، فما أطاقة معاوية إلا بالمدارة والملاطفة، حتى ولاه واستُلحق به أخا، وفي هذا عبرة لمن أنصف.

سلَّمنا سابقة علي وتجربته وجهاده وفضائله وأنه أفضل أهل زمانه، فما الذي جعل السيدين السبطين بمنزلته وفي الوقت من هو قريب من أبيهما في المرتبة، كسعد وسعيد، ثم كابن عمر الذي لولا شيء لقُلِّد الخلافة يوم الحكمين. وكذلك لا نجد لزين العابدين علي بن الحسين سبوقا -مع عظمته وشرفه- في علم ولا عمل على سعيد بن المسيب والقاسم وسالم وعروة. وكذلك لا تجدون لأبي جعفر محمد بن علي سبوقا في العلم والعمل -مع أهليته للخلافة- على أخيه زيد وابن شهاب وعبد الرحمن بن القاسم وعمر بن عبد العزيز ؛ ولا لجعفر بن محمد -مع صلاحيته للإمامة- على عبد الله بن عمر وابن أبي ذئب؛ ولا لموسى بن جعفر على عبد الله بن عمر بن عبد العزيز الزاهد العمري؛ ولا لعلي بن موسى الرضا على محمد بن إدريس الشافعي المطلبي. وأما ولد الرضا وحفيده علي بن محمد ونافلته الحسن بن محمد العسكري، فهؤلاء لهم شرف وسؤدد في الجملة، ولكن بينهم وبين زين العابدين وابنه الباقر وحفيده الصادق بون بعيد في العلم والفضل.

وأما ثاني عشرهم المنتظر المعدوم، ففيه قولان لا ثالث لهما البتة: إما إنه وُجد ثم مات، أو لم يكن قط، وهو الأشبه. فأما أن يكون دخل وهو صبي في سرداب بلد سُرَّ من رأى من نحو أربعمائة وسبعين عاما وهو إلى الآن حي يرزق ولا بد أن يخرج ويملأها عدلا وقسطا، وأنه يعلم علم النبي ﷺ جميعه وعلم الإمام علي كله، لا بل علم الأولين والآخرين وأنه لا يجوز عليه سوهو ولا نسيان وأنه معصوم وأنه وأنه... فهذه خرافات الكذابين من الرافضة الذين لا يستيحيون من الله فيما يدعونه. وما نعلم المنتظر الذي هو الآن حي ومن قبل الإسلام بدهر إلا المسيحين، مسيح الهدى الذي هو الآن في السماء، ومسيح الضلال المغلول في جزيرة ببحر الروم، وهو الدجال شر منتظر، الذي يقتله المسيح عيسى بن مريم عليه السلام بباب لد.

ثم هذا ريحانة رسول الله ﷺ الحسين قد تأخر، وقلما روى أو أفتى، لعل مجموع ذلك المروي عنه لا يبلغ ورقتين؛ وهذا ابن عمه عبد الله بن عباس حبر الأمة قد جُمع فقهه في عشرين جزءا، ويبلغ حديثه نحوا من ذلك. وكذلك علي بن الحسين لا يبلغ حديثه وفتياه ثلاث ورقات أو أرجح؛ وسعيد بن المسيب لو جمع علمه وفقهه وحديثه لبلغ مجلدا تاما. وأما أبو جعفر فله روايات وأقوال تبلغ جزءين. وكذلك ولده جعفر، بل أكثر من ذلك. وأما موسى الكاظم فلا يبلغ نصف ذلك.

وهم يقولون إن الإمام من هؤلاء الاثني عشر عنده علم جميع الشريعة. فما بال من ذكرنا مع حُرمتهم وتمكنهم من البلاغ أظهروا النزر اليسير منه وكتموا سائره؟ فإن كان غرضهم كتمان العلم فهذه سماجة عظيمة ومصيبة. ثم لماذا أعلنوا ما يجب كتمانه؟

فدعوا الأباطيل والدعاوى الكاذبة، فإنما العلم بالتعلم.

وإن زعمتم أن الله يعلمهم أو يأتيهم بذلك وحي فقد ساويتموهم بالأنبياء! نعوذ بالله من الخذلان.

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.

هامش

صحيح البخاري 5230 ومسلم 2449

سورة الحشر: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون (8) والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون (9) والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم (10)}

الحديث في صحيح البخاري عن أنس بن مالك: «آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار» وفي مسلم بلفظ: «حب الأنصار آية الإيمان وبغضهم آية النفاق»

سورة التوبة 100: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم}

سورة الحشر 8

صحيح البخاري 3388

صحيح البخاري 4033

================

من ويكي ملخص الأجوبة الجلية لكاتبه زيادة بن يحيى الراسي، طبع قديما على هامش إظهار الحق.

ملخص الأجوبة الجلية في دحض الدعوات النصرانية

المقدمة

حمدا لمن رفع قدر من تواضع لربوبيته ومنحه من أسباب البيان وأعز شأن من انتصب لنصر دينه وإقامة حجته وفتح له من أبواب التبيان.

والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد ذي الجاه الرفيع الذي مهد بماضي العزم قواعد الإيمان، وعلى آله وأصحابه أولي القوة في الدين والحصن المنيع، من خفضوا بعامل الجزم كلمة البهتان.

أما بعد، فيقول العبد الفقير محمد الطيبي المعترف بالعجز والتقصير: قد طلب مني بعض الإخوان أصلح الله لي ولهم الحال والشان، أن ألخص "الأجوبة الجلية لدحض الدعوات النصرانية" كما لخصت "البحث الصريح في أي دين هو الصحيح"، فأجبته إلى سؤاله لعلمي بصلاح حاله، مع أني لست أهلا لذلك، والله أعلم بما هنالك.

فأقول: لما ألف المرحوم الشيخ زيادة كتابه المسمى بالبحث الصريح عندما تشرف بدين الإسلام في القرن الحادي عشر، أرسله إلى المنيع، وهو رجل من محبيه في مصر القاهرة، ليرشده إلى ذلك. فسلم جميع قضاياه، وعزم على الإسلام، فاجتمع عليه جماعة من علماء النصارى وأوردوا عليه أسئلة تهدم – بظاهرها – هذا الدين الشريف. فعند ذلك توقف عن الدخول فيه وكتب تلك الأسئلة وأرسلها إلى المرحوم الشيخ زيادة. فعند ذلك ألف " الأجوبة الجلية لدحض الدعوات النصرانية" وأرسلها إلى محبه المتقدم. فغب الوقوف عليه أسلم وحسن إسلامه باطلاعه على عين الحقيقة والسر المكنون. وبطل ما كانوا يعملون.

واعلم ان المرحوم الشيخ زيادة أقنع الخصم بما عنده من نحو التوراة الموجودة الآن. وبذلك تميز تأليفه على غيره. وإلا فالاقناع في الحقيقة ونفس الأمر حاصل عند المصنف من قبل. وحيث كان هذا المؤلف متضمنا إلى ما تيسر من الأجوبة الجلية، اقتضى أن يذكر فيه ما استشهد به المرحوم الشيخ زيادة من التوراة والإنجيل الموجودين الآن، وإن لم يكونا حجة، لما هو مبسوط في البحث الصريح.

فمن الأسئلة: إن الدين المحمدي خاص بالعرب، فلا يلزمهم اتباعه لقوله تعالى { ولتنذر أم القرى ومن حولها }. وقوله تعالى { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه } وقوله تعالى: { لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك }.

وحاصل الجواب: إنه كما ورد في القرآن العظيم التخصيص في نحو هذه الآيات، ورد التعميم في غيرها، فقد قال الله تعالى: { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } ونحو ذلك من الآيات الدالة على عموم رسالته ﷺ، وهي كثيرة.

وقد اتفق نحو ذلك مع سيدنا عيسى عليه السلام لأنه قال لتلاميذه الحواريين: «إني لم أرسل إلا إلى الخراف الضالة من بني إسرائيل» [1] و «انطلقوا خاصة إلى الخراف الضالة من بني إسرائيل» [2] ثم قال: «انطلقوا إلى العالم أجمع وبشروهم بالإنجيل» [3] إلى غير ذلك. فخصص ثم عمم، وكذلك المصطفى ﷺ جاء الأمر عليه بالتخصيص والتعميم.

فإن قيل: قال الله تعالى: { لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك } وقد خالف ﷺ حيث أنذر النصارى المنذَرين من طرف سيدنا عيسى.

أجيب: بأن سيدنا عيسى عليه السلام لم يخبر بأنه ابن الله بالذات والطبيعة، ولا بأن الله تعالى ثالث ثلاثة أقانيم، حتى يكون نبيا محقوقا في إنذاره لهم، بل هم الذين ابتدعوا هذه الآراء من عند أنفسهم، ولم يسلكوا طريق إنذار سيدنا عيسى عليه السلام، فهم غير منذَرين.

وأيضا لم ينذر نبينا عليه الصلاة والسلام من تلقاء نفسه، فقد أمره الله تعالى بذلك، في نحو قوله سبحانه: { وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا }

ومن الأسئلة: أنه ورد في القرآن العظيم مدح النصارى والإنجيل والمسيح وآياته، ولا ينبغي ترك ما ورد في مدحه.

وحاصل الجواب: إن مدح سيدنا عيسى عليه السلام واجب معلوم من الدين بالضرورة. وأما مدح النصارى والإنجيل فإنه منصرف إلى الإنجيل الخالي من التحريف والنصارى الذين انعقدت آراؤهم على ذلك الإنجيل الصحيح، بخلاف من انحرف من النصارى عما ذكر، فإنه لم يمدح بشيء من القرآن، بل جاء فيه نحو قوله تعالى: { ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون }

ومن الأسئلة: أن النبي عليه السلام لم يكن عارفا بحقيقة أمره لقوله تعالى: { وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين } وقوله تعالى: { اهدنا الصراط المستقيم }، وحيث طلب منه الهداية فيكون غير مهتد. فكيف يجب اتباعه؟

وحاصل ما أجاب به رحمه الله: أن لذلك نظرا، وهو أن داود النبي عليه السلام قال: «اهدني يا رب إلى عدلك، وعرفني يا رب الطريق التي أسلك فيها ». [4] وإن الآية الأولى التي تدل على التشكيك والإيهام على السامعين كما فهم، لا تدل على شك النبي ﷺ.

ولذلك نظير في سفر التكوين من التوراة، وهو قوله تعالى على زعمهم: «إن صراخ سادوم وعامورة قد كثر، وخطيئتهم ثقلت جدا. أنزل وأنظر إن كان فعلهم يشاكل الصراخ الآتي أم لا لأعلم ذلك». [5] فلو تعين الشك في الآية الشريفة لتعين هنا. وحينئذ يكون مراده النزول إلى سادوم ليتحقق الصراح الذي سمعه، لعدم وقوفه على حقيقته – تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

ومنها: أنه جاء في القرآن عن سيدنا عيسى عليه السلام: { هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون }[6] وذلك يثبت الألوهية الحقيقية له عليه السلام.

وحاصل ما أجاب به رحمه الله: إن ذلك المستشكل حرف واستشكل. فإن الضمير عائد لله تعالى، لا لسيدنا عيسى عليه السلام.

ومنها: أنه يستنتج من القرآن العظيم أن المعجزات لم تجر على يدي نبينا ﷺ.

وحاصل الجواب: أن ما استدل به من القرآن لا ينتج هذه الدعوى، كما أطال به المرحوم الشيخ زيادة فارجع إليه. على أن القرآن هو نفس المعجزة كما يظهر ذلك لمن له وقوف على علم المعاني والبيان.

ومنها: أنه جاء في القرآن القصاص والعفو. وهما متناقضان.

وحاصل الجواب: إن توهم التناقض في نحو ذلك ناشئ عن الجهل بحقيقة التناقض، كما يرشد إلى ذلك قوله تعالى: { وأن تعفوا أقرب للتقوى }.

ومنها: قوله تعالى { إنا أنزلناه قرآنا عربيا } مع أن فيه بعض كلمات أعجمية.

وحاصل الجواب: إنها وإن تك أعجمية فهي معربة. على أنه لا يبطل نعت تلك اللغة بواسطة بعض كلمات غريبة دخيلة عليها، كإبراهيم.

ومنها: قوله تعالى خطابا لبني إسرائيل: { وأني فضلتكم على العالمين } لأنه يدل على أن اليهود أفضل من المسلمين.

وحاصل الجواب: إن هذا التفضيل إنما هو لليهود القدماء الذين انفردوا في زمانهم بمعرفة الله تعالى، كما تفيده القرائن.

ومنها: ما جاء في القرآن العظيم من الطلاق والتحليل في قوله تعالى: { فإن طلقها من بعد فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره } وهذا غير حميد.

وحاصل الجواب: أن الطلاق ورد جوازه في التوراة بنص صريح، فهو جيد باعتقادكم. والتحليل لم يرد في القرآن بصورة الأمر فيكون واجبا على الزوج الأول ليستقبح، وإنما ورد للصعوبة على المطلق. فإذا أراد ردها إليه جاز له بعد التحليل الشرعي.

ومنها: أن القرآن العظيم يشهد أن الإنجيل فيه هدى ونور وأن التوراة يحكم بها النبيون، وأن المسلمين يقولون بتحريفهما، ومع ذلك يستشهدون بهما.

وحاصل الجواب: إن القرآن العظيم شهد بذلك للإنجيل والتوراة العاريين عن التحريف. وقد برهن في البحث الصريح كمختصره على تحريف ما بأيدي النصارى واليهود منهما. فالمحرف غير داخل في تلك الشهادة. فإن استشهدنا بهما نسشتهد بما يلوح عليه مطابقة الواقع لعدم التحريف. وإن قبحنا نقبح المحرف فقط. ومعاذ الله أن نعتقد بطلانهما، بل المحرف فيهما هو الباطل.

ومنها: أن القرآن العظيم أثبت طائفة من النصارى لا وجود لها في الدنيا في قوله تعالى: { لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة }

وحاصل الجواب: إنه وجد في تاريخ سعيد بن البطريق الذي صار بعد بطريركا على الإسكندرية أن فرقة من النصارى في الدهور المتقدمة كانت تعتقد هذا الاعتقاد نفسه. على أن لفظ ثالوث المستعمل الآن يفيد هذا المعنى.

ومنها: أن القرآن العظيم دل على وجود الحور والولدان والخمر واللبن والعسل في الجنة. وذلك كله يوجب الفساد.

وحاصل الجواب: إن الإنجيل يشهد بذلك أيضا كما بينه رحمه الله، فارجع إلى أجوبته. وكان يقتضي للنصارى أن يتعجبوا من كتابهم حيث دل على أن الملائكة الثلاثة الذين ضافوا عند سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام أكلوا عنده. [7] ويفسرونهم بأنهم أقانيم الله – تعالى سبحانه عن ذلك علوا كبيرا – وذلك محل التعجب لامتناع أكل الملائكة، كما دل عليه القرآن العظيم في هذه القصة، بخلاف أكل البشر في الجنة، لأنهم بحسب طبيعتهم يأكلون، وعند قيامهم من القبور يلبسون أجسادهم كاملة بآلتها الجوفية وأعضائها، حتى آلة التناسل، كما هو متفق عليه في سائر الكتب السماوية. فلا يتعجب من أكلهم في الجنة. على أن المسلمين لا يعتقدون ما ينشأ عن الأكل من المستقذرات، بل اعتقادهم أن ذلك يخرج منهم رشحا، كالعرق طيب الرائحة.

ووجود الحور والولدان:

أولا: لكمال الحظ بمعاشرتهم، بلا فساد وبكل طهارة، كما قال تعالى: { ولهم فيها أزواج مطهرة }

وثانيا: ربما تكون الولدان أولاد الكفار الذين ماتوا قبل البلوغ، لأنهم لم يصلوا إلى رتبة المؤمنين العاملين المخدومين، ولم يصدر منهم ما يستحقون به العذاب مع الكافرين.

ومنها: قول المسلمين إن اسم محمد عليه الصلاة والسلام مكتوب مع اسم الله تعالى على العرش. [8] وهذا تطرف.

وحاصل الجواب: إن التطرف إنما هو في رؤيا يوحنا الإنجيلي حيث رأى الله تعالى جالسا على كرسي ومع أربعة وعشرون شيخا. [9] فكيف يصح في العقل الجلوس مع ذات شريفة غير محدودة ولا محيزة؟ وحينئذ فالكتابة دون ذلك.

ومنها: تكرار أخبار القرآن العظيم وقراءاته السبعة، وأنه كان متفرقا ثم جمع، وأن ذلك يدل على ضعفه.

وحاصل الجواب: إن القراءات السبعة لا تغير المعاني المقصودة. فلو وجدنا لكلمة أكثر من معنى واحد وكانت تلك المعاني مقصودة لازمة، فهي من أصل الإنزال، وليست دخيلة ولا محرفة ولا متناقضة. وهذا بخلاف الإنجيل، فإنه يقرأ بقراءات يتغير فيها كثير من المعاني مع التناقض، كما بين بعضه في الأصل، فارجع إليه.

وأما التكرار الواقع في القرآن العظيم فهو إما لتقوية الوعظ والتعليم، أو لغير ذلك مما هو واضح في كتب المعاني والبديع. وأما جمعه بعد النبي ﷺ فله نظير عند النصارى، لأن الأناجيل جمعت في الدهر الثاني، أي بعد مائتي سنة من تاريخ سيدنا عيسى عليه السلام، وكانوا أكثر من ثلاثين إنجيلا، وقد ترك الأكثر واختفى، ووقع الاصطلاح على الأربعة الموجودة الآن.

ومنها: تقبيل سيد المرسلين الحجر الأسود وقول سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه إنه لا يضر ولا ينفع.

وحاصل الجواب: إن سيدنا موسى والأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا يكرمون تابوت العهد ويبخرونه. والنصارى تقبل الصور والأحجار وتسجد لها، مع ما في ذلك من مخالفة الشريعة التوراتية القائلة « لا تسجد لها ولا تعبدها ». فأنتم تقولون إن الصور والأحجار لا تضر ولا تنفع، وإكرامها عائد لله تعالى، ونحن كذلك.

وأقول: لما كان تقبيل الحجر الأسعد من الأمور التعبدية التي لم نطلع على حكمتها قبله سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه قائلا: «إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله ﷺ يقبلك ما قبلتك» إشارة إلى أن تقبيله أمر تعبدي، وأن الضار النافع في الحقيقة إنما هو الله تعالى وحده.

ومنها: وجود الناسخ والمنسوخ في القرآن العظيم، وأن ذلك لدفع التناقض فيه، حملوه على التناسخ.

وحاصل الجواب: إن نحو ذلك له وجود في التوراة والإنجيل – كما هو مبين في الأصل – فارجع إليه.

ومنها: أن النبي ﷺ أخذ موضع يتيمين وجعله مسجدا.

وحاصل الجواب: إنه عليه الصلاة والسلام أعطاهما عوضا زائدا، فلا حرج عليه.

ومنها: أنه عليه الصلاة والسلام أخذ أموال بني قينقاع، فقسمها على أصحابه.

وحاصل الجواب: إن نحو ذلك وقع لسيدنا موسى عليه السلام ولم يطعن في نبوته. على أن المعترض لم يقف على العلة في ذلك.

ومنها: أنه عليه الصلاة والسلام أرسل إلى رجل أعابه فقتله.

وحاصل الجواب: أنه إن سلم بذلك فقد سبقه بنحوه سيدنا داود عليه السلام.

ومنها: أن الذراع التي أخبرته عليه الصلاة والسلام أنها مسمومة حتى امتنع هو وأصحابه من الأكل منها: أكل منها بعض أصحابه ومات. فكيف لم يمنعه من الأكل منها؟

وحاصل الجواب: أنه عليه الصلاة والسلام أخبر بسمها فلم يصدقه الآكل. وفي ذلك حكمة بالغة، لأن موت الرجل الذي لم يصدق أثبت صحة تكلم الذراع على وجه المعجزة.

ومنها: أنه عليه الصلاة والسلام لو كان حقا من عند الله تعالى فلم يحفظه من كسر ثنيته وفدغ جبهته عليه الصلاة والسلام.

وحاصل الجواب: أن من ادعى إلوهية سيدنا عيسى عليه السلام وصلبه بعد ألام كثيرة مغلقا اللاهوت في الناسوت لا ينبغي له أن يتصور فدغ جبهة وكسر سن أمرا كبيرا.

ومنها: أن ما وقع من سيدنا موسى من القتل والسبي كان بأمر الله تعالى، ولا كذلك نبينا ﷺ.

وحاصل الجواب: أنه عليه الصلاة والسلام مأمور به وكان يغاث بالملائكة، كما نطق به الكتاب المجيد.

ومنها: أن بني إسرائيل كانوا يظفرون بحروبهم وأن المصطفى ﷺ لم يرتق إلى هذه الرتبة. فلو أمر بالقتال كما شهد له الكتاب لظفر كبني إسرائيل.

وحاصل الجواب: أن المعترض لا وقوف له على التوراة لأن الله تعالى لما أمر بني إسرائيل بقتال سبط بنيامين والظفر بهم صار الظفر لسبط بنيامين وغلب السبط بني إسرائيل غير مرة.

ومنها: أن علم الغيب من شروط النبوة ولم يكن عليه الصلاة والسلام يعلم الغيب.

وحاصل الجواب: أنه عليه الصلاة والسلام أخبر عن مغيبات كثيرة. منها توبة سيدنا آدم وقبولها خلافا لما ورد في التوراة. ومنها قصص عاد وثمود وغيرها مما لم يأت في التوراة. ومنها إيمان سيدنا إبراهيم عليه السلام وأسبابه وحديثه مع أبيه. ومنها غير ذلك مما يخالف ما ورد في التوراة المحرفة.

ومن الأسئلة: أنه عليه الصلاة والسلام لم يخبر عما سيحدث بعده في المستقبل كسيدنا عيسى عليه السلام حيث أخبر به.

وحاصل الجواب: أنه عليه الصلاة والسلام أخبر بكثير من المغيبات كما تقدم في القرآن العظيم والحديث الكريم. فمن أراد الاطلاع على شيء من ذلك فليراجع كتاب الشفاء ونحوه من كتب الحديث.

ومنها: أن سيدنا عيسى عليه السلام تميز عن نبينا ﷺ بما يثبت له الألوهية.

وحاصل الجواب: أن ذلك منقوض بما في البحث الصريح. وارجع إليه.

ومنها: أن الشرائع قسمان: عدلية وفضلية. وقد جاء بهما سيدنا موسى وعيسى عليهما السلام. وحيث لم يكن هناك قسم ثالث فلا حاجة إلى نبي آخر.

وحاصل الجواب: إن كلا من الشريعتين المرموقتين ضَعُف بالتحريف والإخفاء. وإن كل واحدة منهما على انفرادها غير تامة ولا آخذة بمفعوليتها، بل تفتقر إلى الأخرى. لأن اليهود لم ترضى إلا بقتل الزاني ومن شتم أباه ومن أحل السبت. والنصارى لم ترض إلا بترك الزاني وتحويل الخد الأيسر لمن ضرب منهم الخد الأيمن بغير قصاص وتأديب. فلما لم يأخذ كل من هاتين الشريعتين مفعوليته ولم يستطع أهل كل شريعة منهما العمل بشريعته على انفرادها اقتضى الأمر نبيا آخر يأتي بقوانين شرعية لم يأت بها من قبله. فكانت شريعته عليه الصلاة والسلام مشتملة على الشريعتين على أسلوب عجيب وهندام نسيب. بحيث صار لكل منهما مركز لائق.

ومنها: أنهم لم يجدوا اسم نبينا ﷺ وأفعاله وأوصافه الشريفة في كتبهم، ولم يفرض عليهم الانتقال إلى دينه الشريف.

وحاصل الجواب: أن هذا السؤال صادر من غير علمائهم وعقلائهم، لما هو معلوم من كتاب البحث الصريح فارجع إليه.

ومنها: أن دعواهم التثليث مأخوذة من التوراة، لقول الله تعالى لسيدنا موسى عليه السلام: «أنا هو إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب» وذلك ينتج الأقانيم الثلاثة، فكيف يدعي الإسلام أن ذلك إنما هو بدعة من عند أنفسهم؟

وحاصل الجواب: أن نفس التوراة تنقض هذه الدعوى لقوله تعالى: «أنا إله إبراهيم وإله إسحق. لا تخف يا يعقوب» [10] لأن ذلك ينتج أقنومين – على زعمهم – وهناك النتيجة ثلاثة. وهذا تناقض. على أن كلا من النتيجتين ينتج الجهل المركب. والعجب كل العجب من أذكيائهم الغافلين.

ومنها: وجوه كثيرة يزعمون أن بعضها ينتج التثليث وبعضها حجة في ألوهية سيدنا عيسى عليه السلام.

ولا طائل تحتها. فلا نطيل بها. ومن أراد الاطلاع على مفرداتها وأجوبتها فليرجع إلى الأصل.

ومنها: أن المسلمين يجسمون ويشبهون في قولهم إن لله يدين ووجها واستوى على العرش. فكيف يكفرون من اعتقد الأقانيم؟

وحاصل الجواب: أن بين القولين فرقا كبيرا، لأن أقوال المسلمين أوصاف ونعوث ثابتة له تعالى تقريبا إلى العقول، ليست ذواتا مشخصة، بخلاف الأقانيم. ومن العجب أن هذا المعترض لم يميز بين الصفات والذوات لأنه جعلهم بمنعى واحد، على أن في كتبهم كثيرا كهذه النعوت.

ومنها: قول النصارى: إن قالت المسلمون بأننا نقول إن الله تعالى جوهر، والجوهر هو الذي يشغل حيزا ويقبل عرضا، نقول لهم هذا في الجوهر الكثيف، أما الجوهر اللطيف، كالشمس والعقل والضوء، فلا يقبل الأعراض ولا يتحيز.

وحاصل الجواب: إن هذا قول بلّه، لأن كل شيء سوى الله تعالى يقبل الأعراض والتحيز جوهرا، ويقبل التحول عرضا. كما اجتمعت عليه الكتب الثلاثة وغيرهم وقام عليه البرهان النظري. لأن الشمس والعقل والضوء يتحيزون جوهرا ويقبلون التحول عرضا. فقرص الشمس جوهر متحيز وشعاعها عرض متحول.

ومنها: أنهم يجيبون عن تجسد أحد الأقانيم بالجسد الإنساني، دون الأقنومين الآخرين، بأن ذلك كالنار التي توقد تحت القدر الذي فيه الماء. فكما يمكن دخول حرارة النار في الماء دون الضياء من غير انفصل، يمكن اتحاد الابن في الناسوت مع وجوده في الأب.

وحاصل الجواب: إنه يلزم من ذلك رأيان كفريان يضادان ذات النصرانية. أحدهما أن وجود الحرارة في مكان على حدته دون الضياء عين الانفصال في المكان المجحود عند النصارى. وثانيهما أن تلك الحرارة التي دخلت الماء وليس لها خاصية الإحراق التي هي للحرارة التي مع الضوء، فيكون للحرارة المرقومة فعلان، وذلك مضاد لعقيدتهم أيضا. وهنا بحث لطيف تنبغي مراجعته من السؤال الثامن والأربعين في الأجوبة الجلية.

ومنها: أن المعجزات ثابتة لسيدنا عيسى دون غيره، وأنه إن سلم أن لغيره معجزة فلم يرتق إلى معجزاته، وأن النصارى يرون المعجزات بأبصارهم من الأحبار والرهبان.

وحاصل الجواب: أن ما ذكر باطل بما هو مبين في البحث الصريح، وأنه من تاريخ ستمائة سنة من سيدنا عيسى إلى آننا هذا لم نجد في كامل طوائف النصارى من يبرئ الأعمى ويقيم الميت من بركته وقداسة رهبنته. وكل طائفة منهم تدعي وجود معجزة تكذبها الطوائف الأخرى وتقيم البراهين على عدم وجودها البتة.

ومنها: قصة معراجه عليه الصلاة والسلام وأن ذلك يكرهه السمع ويبعد تصديقه.

وحاصل الجواب: أن لذلك نظيرا عند النصارى كخطف بولس إلى السماء الثالثة [11] على زعمهم وكذلك يوحنا الإنجيلي وأنه رأى في السماء أشياء لا يصدقها العقل. ومن قابل المعراج على رؤيا يوحنا المرموق المسلمة عند النصارى وجد في تلك الرؤيا أغرب وأبعد عن العقول مما في المعراج الشريف. على أن المعراج الشريف أخبر عنه سيدنا دانيال عليه السلام على ما هو عليه ذاتا وصفة، كما في الأصحاح السابع.

ومنها: أن النبي ﷺ كاتب ملك الحبشة والجزائر والروم والعرب وسبأ وأنذرهم، فأهدوه وقبل هديتهم، وتزوج بماريا القبطية التي قدمت له. وأن هذا وأمثاله دعوى من المسلمين بعيدة عن العقل.

وحاصل الجواب: إقناع الخصم من زبور سيدنا داود عليه السلام من المزمور الحادي والسبعين، فارجع إلى الأصل إن شئت.

ومنها: جملة حاصلتها الاستدلال على ألوهية سيدنا عيسى عليه السلام.

وحاصل الجواب: تحريف بعض النصوص وعدم فهم بعضها، كما هو موضح في الأصل، فارجع إليه.

ومنها: أن النصرانية طائفة طاهرة وأمة مهذبة لأنها لا تزال في صلاتها تدعو للخارجين عنها وتبارك وتصلي على من يحبها وعلى من يبغضها، وتقتني البتولية وترضى بامرأة واحدة وتمنع الطلاق. ومن هذه الأوصاف يظهر أنها روحانية.

وحاصل الجواب: أن البتولية ينشأ عنها أربع خطايا:

أحدها التحرق بالشهوة الرديئة التي حرمها بولس عندهم.

وثانيها إلقاء البذر – أعني المني – على الأرض. إما بالتسبب فيه أو بامتلاء الأوعية حتى يفيض بالطبيعة. وبسبب ذلك أهلك الله أونان الولد الثاني من أولاد يهوذا. [12]

وثالثها الوقوع في الزنا الذي بسببه صار إحراق سادوم وعامورة.

ورابعها قطع النسل المضاد لقوله تعالى على زعمهم «أثمروا وأكثروا». [13]

ويتولد عن حصر الرضا بامرأة واحدة أشياء كثيرة، منها احتمال المرأة المجنونة والعقيمة وقاطعة الحيض والتي تبول في الفراش والمريضة بالأمراض المزمنة. فربما يوقع ذلك بما توقع فيه البتولية.

وأما منع الطلاق فينشأ عنه أمور لا يطيقها ذو مروءة أصلا. منها أنها إذا زنت ولم يطلع عليه سوى زوجها لا يسوغ له طلاقها، فتختلط أولاده بأولاد غيره. ومنها احتمالها والصبر عليها وإن كانت سارقة وشريرة. فلذلك كان الطلاق جائزا في الشريعتين الموسوية والمحمدية. فمن وقع في نحو زنا امرأته طلقها. ومن وقع في ما دون ذلك فهو بالخيار، إن شاء طلقها وتزوج غيرها وإن شاء تزوج عليها.

ومنها: أن الله تعالى لما بدأ الخلق خلق للإنسان امرأة واحدة. وهي السيدة حواء، ولم يذكر تعالى إذ ذاك من أمر الطلاق شيئا. وهذا يؤيد طريقة النصارى.

وحاصل الجواب: أنه إن منع ضم شيء إلى ما شرع عند بدء الخلاق كانت الشرائع بأسرها ممنوعة. لأن شريعة سيدنا موسى بعد سيدنا آدم بنحو ألفين وخمسمائة سنة. ويمنع ما شرع من الختان في زمن سيدنا إبراهيم إذ لم يكن عهد آدم. كما أنه لم يؤمر بالصلاة. وحيث ثبت أمر الله تعالى بشرائع لم تكن عند بدء الخلق فتعدد الزوجات والطلاق من ذلك.

ومنها: قول النصارى حيث ثبت أن الأناجيل كانت أكثر من ثلاثين إنجيلا، فمنها ما دخله التحريف ومنها ما بقي بحاله – على زعمهم – فلم يم يميز القرآن الشريف بينهما؟ ولم لم يفد أن الإنجيل الفلاني هو الصحيح ليتبع دون غيره من المحرف؟

وحاصل الجواب: أن دعوى وجود إنجيل صحيح عند نزول القرآن غير مسلمة. ولئن سلمت فالقرآن ناسخ لسائر الكتب السماوية الصحيحة. فلا فائدة في التمييز. وأيضا: لو ميز القرآن إنجيلا مخصوصا وشهد له بالصحة، ربما دخله التحريف بعد. فيكون شاهدا له بما ليس فيه.

ومنها: سؤال صادر من صاحب الأصل مع جوابه.

وحاصلهما: ثبوت التحريف من زمن الحواريين بالدلائل القطعية عند النصارى.

ومنها: أن نبينا ﷺ كان فارسا شجاعا محاربا ظافرا متنعما معدودا من ذوي الرفعة. وهذا الصفات مضادة لصفات عيسى عليه السلام فلذلك استغربت نبوته ﷺ.

وحاصل الجواب: لا يلزم أن يأتي كل نبي بطريقة تشاكل طريقة سيدنا عيسى عليه السلام. لأن نوح وإبراهيم وموسى وهارون وداود وسليمان عليهم الصلاة والسلام مخالفون لسيدنا عيسى عليه السلام في الفقر والغنى وغيرهما، ولم تنكر نبوتهم عند النصارى. على أن ما وصفتم به نبينا ﷺ هو عين صفاته الدالة عليه في كتبكم، كما بينها صاحب الأصل، فارجع إليه.

صورة سؤال آخر ورد من المرقوم وحاصله: أيها السعيد إني ارتويت من كتابك الذي هو البحث الصريح ومن أجوبتك في هذا الكتاب. وحاصلهما أن عهدة زمان شريعة سيدنا عيسى عليه السلام قد انتهت. ومن البينات والتقارير فهمت ذلك فهما صحيحا. ولكن يوجد عندي شيء يقلق فكري؛ وهو أن النصرانية مع الأناجيل الأربعة التي بيدا تصرح بصلب سيدنا عيسى عليه السلام وقتله وموته. والقرآن العظيم تارة يفيد ذلك بقوله { يا عيسى إني متوفيك } وتارة يبطله بقوله: { وما قتلوه وما صلبوه } فمن ذلك انتزعت راحة سري وانزعج فكري. فأرجو منك أن تحلني من هذا الاشتباه الذي أورثني لذلك الانزعاج. وبذلك تصيرني ممنونا.

ومنها: أيها المحب الخاص، إنه لا يلزم جواب ذلك، نظرا لسامي فطنتك ووقوفك على أقاويل بعض العلماء من المسلمين ومطالعتك البحث الصريح الذي برهن على تحريف الأناجيل بما أقنع ضميرك. وحينئذ فقصة الصلب في الأناجيل على ما هي عليه من الموضوع المختلق المصنوع. وربما كانت تلك القصة على غير هذا الوجه، بحيث تطابق ما جاء في القرآن العظيم من أن الصلب وقع صوريا لا حقيقيا لأنه { شبه لهم }. ويؤيد ذلك ما نقله صاحب الأصل من الإنجيل مما يطول ذكره، فارجع إليه.

وأما ما يتوهم من التناقض الذي في القرآن العظيم بين قوله تعالى { وما صلبوه } وقوله { إني متوفيك } فيبطله نفس القرآن الشريف. فقد جاء التوفي فيه بمعنى النوم وبغير ذلك من المعاني. فقد قال تعالى: { الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها } وقال تعالى { تتوفاهم الملائكة طيبين } وقال تعالى { هو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون }

وحيث ظهر أن التوفي في القرآن العظيم غير مقصور على الموت بطل ما يتوهم من التناقض.

وبالاختصار، فدعوى الصلب ممنوعة بوجوه كثيرة مبرهن عليها في البحث الصريح والأجوبة الجلية بما لا يسع الخصم إلا اتباعه.

ومنها: أن القرآن العظيم يدل على أن بعض الوحوش تكلمت وكذلك الجن. وهذا محتقر عند النصارى، بعيد عن العقل.

وحاصل الجواب: أن لذلك نظيرا في الإنجيل والتوراة. فما توجه علينا يتوجه على النصارى، وما كان جوابا لهم فهو جواب لنا. على أن ذلك غير محتقر ولا بعيد.

ومنها: أن امرء القيس تكلم بشيء في بعض أشعاره ثم جاء بعينه في القرآن العظيم. وحينئذ يكون القرآن مقتبسا من امرئ القيس، وهذا أمر حقير يجب أن لا ينسب إلى الله تعالى.

وحاصل الجواب: أن ذلك لا يسمى اقتباسا من امرئ القيس حتى يكون كما ذكر، بل إرادته تعالى تعلقت بأن يتكلم امرؤ القيس بجملة من القرآن قبل نزوله. على أن لذلك نظيرا في كتب النصارى وهو أن كتب التوراة وجد فيها أحكام وشرائع كثيرة كانت من قبل في كتب عبدة الأوثان، فلما جاءت التوراة من عند الله تعالى لم تحتسب أنها كانت عند الكفرة ولم يتصور أحد من النصارى أن التوراة اقتبستها من تلك الكتب.

ومنها: سؤال متوجه على النصارى. وهو أنكم تدينون بشريعة سيدنا موسى عليه السلام مع أنها منسوخة بشريعتكم العيسوية.

وجوابهم: إن سيدنا عيسى عليه السلام جاء مكملا لشريعة سيدنا موسى عليه السلام لا ناسخا لها. لأنه قال «ما جئت لأحل الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأبطل لكن لأتمم» [14] وحينئذ فهم مأمورون باتباع الشريعتين.

وحاصل ما نقض به جوابهم: ما جاء في الإنجيل مما يدل على أن الإنجيل مبطل للتوراة كقوله «قد سمعتم ما قيل للأولين: العين بالعين والسن بالسن. وأنا أقول لكم: من ضربك على خدك الأيمن حول له الآخر» [15] وقوله: «قد سمعتم ما قيل للأولين: لا تحنث في يمينك، وأوف للرب قسمك. وأنا أقول لكم: لا تحلفوا البتة» [16] وقوله: «قد سمعتم ما قيل للأولين: حب قريبك وأبغض عدوك. وأنا أقول لكم: أحبوا أعداءكم وأحسنوا إليهم». [17] فهذا نص صريح في أن سيدنا عيسى عليه السلام أبدل الشريعة العدلية بالشريعة الفضلية وأمر بالعمل بموجبها فقط. وحيث كان العمل على غيرها منذ ظهر نبينا ﷺ كمل ولم يبطل، فلم أبطل النصارى ما كمله؟ فقد اختتن عيسى عليه السلام على مقتضى شريعة سيدنا موسى المطابقة في ذلك لشريعة سيدنا إبراهيم عليهما السلام. وأيضا لم أبطل النصارى السبت بالأحد، مع أن وصايا الله العشرة فرضت السبت؟ وسيدنا عيسى عليه السلام حفظه بكل وقار واحترام ولم يؤمر بالأحد. ثم إن ما تقدم من قول سيدنا عيسى عليه السلام «ما جئت لأبطل» [18] له وجود في الإنجيل، فهو مع ما قدمناه من المتناقضين. وبذلك يستدل على التحريف.

خاتمة

اعلم أن تلك الأجوبة لما وصلت إلى مصر وأقنعت الخصم الذي هو المنيع كتب إلى مرشده صاحب الأصل أن يلخص له الشهادات التوراتية والإنجيلية والزبورية التي تدل على نبينا ﷺ بوجه وجيز لا يمله المطالع ليجعلها عقدا ثمينا ويدركها مع غاية السهولة كلما قرأها ويترنم بها كلما سبرها. فأجابه لسؤاله وذكر له ما يدل على نبينا محمد ﷺ من تلك الكتب على الوجه الذي أراده. وقد أعرضت عنه خوف الملل، فراجعه إن شئت.

ثم أرسل المنيع إلى مرشده الشيخ زيادة كتابا هذا صورته:

«شكرا لمن وهبك هذه النعم الجسيمة وحمدا لمن لا يبخل في أداء العطايا الثمينة ومجدا للذي جعلك قارورة عطر تنعش قلوب ذوي العقول السليمة.

وإذ أنك صرت وسيطا لانتعاش فؤادي ونشلتني بعد موتي يا عمدة العلماء المدققين العظام وقدوة الجهابذة المحققين الفخام، وفضلك لا أنساه على الدوام أبدا، مورثا إياه لمن يبغي الحياة بعدك سرمدا.

ثم بعد ذلك قصدت أن أحرر لك ما قد وعيته من تعليمك وأبسط لدى الملأ جميع ما تصببت من تنغيم لكي يترنموا به، شاكرين لعزته تعالى خير المنعمين، ويعلموا أن من أجله أسلمت إسلاما حقيقيا قوليا وفعليا وفكريا. وقد أقنعت ضميري بعشرة ضوابط شرعية وتيقنت أن من يخالفها هو للحق جاحد ببراهيم محكمة»

ثم ذكر الضوابط العشرة وهي حاصل البحث الصريح والأجوبة الجلية، فلا نطيل بها لعلمها من محالها. ثم ختم نصه:

«والنتيجة من هذا جميعه أن هذه الضوابط العشرة التي شرحتها هي بحمد الله التي قادتني أن أكون مسلما مؤمنا، وأحوجتني وألزمتني أن أقول بأعلى صوتي: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله – صلى الله عليه وسلم وعلى آله الكرام وأصحابه أجمعين

تم الكتاب تكاملت ** نعم الإله لسامعه

وعفا الكريم بفضله ** وبجوده عن جامعه

في الجزء السابع الأسبوعي من العشر العاشر من الثلث الثالث من الثلث الثاني من الربع الثاني من التسع الثالث من العشر الثامن من الجزء الثالث عشر من هجرة خير البشر ﷺ، وذلك يوم السبت الذي هو غاية شهر جمادى الأولى سنة تسع وسبعين ومائتين وألف. وكان اختصاره في نحو يوم ونصف. نسأله تعالى نفع الأنام وحسن الختام.

هامش

متى 5: 17

متى 15: 24

متى 10: 6

مرقس 16: 15

مزمور 5: 8

التكوين 18: 20-21

غافر 68

التكوين 18

إنجيل برنابا

رؤيا يوحنا 4: 4

التكوين 31: 42

2 كورنثوس 12: 2

التكوين 38

التكوين 1: 28

متى 5: 17

متى 5: 39

متى 5: 34

متى 5: 53-54

===========

كتاب المقدمة الزهرا في إيضاح الإمامة الكبرى للذهبي

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى. اتفق أهل السنة والمعتزلة والمرجئة والخوارج والشيعة على وجوب الإمامة وأن الأمة فرض عليها الانقياد إلى إمام عدل، حاشا النجدية من الخوارج فقالوا لا تلزم الإمامة وإنما على الناس أن يتعاطوا الحق فيما بينهم، وهذا قول ساقط.

واتفق كل من ذكرنا على أنه لا يكون في وقت إلا إمام واحد، إلا محمد بن كَرّام وأبا الصباح السَّمَرقَندي وأصحابهما فإنهم أجازوا كون إمامين وأكثر في وقت واحد واحتجوا بقول الأنصار: "منا أمير ومنكم أمير" واحتجوا بأمر علي وابنه مع معاوية.

قلنا: قال عليه الصلاة والسلام: «إذا بويع أحد الخليفتين فاقتلوا الآخِر منهما»

قال تعالى: {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا}. فحرّم التفرق. ولو جوزنا إمامين لجاز الثالث، والرابع، بل في كل مدينة ٍإمامٌ أو قريةٍ، وفي ذلك فساد عريض وهلاك.

ثم الأنصار رجعوا عن قولهم وأطاعوا. وأما علي رضي الله عنه والحسن فإن النبي ﷺ أنذر بخارجة تخرج بين طائفتين تقتلها أولى الطائفتين بالحق، وكان قاتل تلك الطائفة أمير المؤمنين علي رضي الله عنه. فهو صاحب الحق بلا شك. ولذلك أخبر عليه الصلاة والسلام بأن عمارا تقتله الفئة الباغية.

وكان علي السابق إلى الإمامة، فمن نازعه فمخطئ مأجور مجتهد.

ثم قول الأنصار: "منا أمير" فمرادهم منا والٍ فإذا مات فمنكم وال، وهكذا أبدا؛ لا على أن يكون إمامان في وقت.

وأما معاوية وعلي فما سلّم أحدهما للآخر قط، وكذلك أمير المؤمنين الحسن رضي الله عنه، إلى أن سلمها إلى معاوية.

ورأينا الأنصار دعوا إلى سعد، والمهاجرين دعوا إلى أبي بكر رضي الله عنهما. وقعد علي في بيته، فما معه غير الزبير وآل بيته؛ فلم يَدْعُهم إلى نفسه ولا عقد بيعة، ثم تبين له الحق وأخبر أنه إنما تأخر عن مبايعة أبي بكر عتبا عليه إذ لم يشاوره، فأعلمه أبو بكر أنه استعجل خوفا من مبادرة أصحاب السقيفة.

ثم إن الكل رجعوا إلى طاعة الصديق لكمال أهليته -سوى سعد فقط- لا لرهبة من أبي بكر ولا لرغبة.

ولو قال من لا يعلم: بل خافوه؛ فترى ما الذي حملهم على طاعته وهو في السياق في استخلافه عليهم عمر؟ أكانوا يطعيون أخا بني تيم حيا وميتا في شأن الإمارة ويعصون سيد البشر ويُميتون نصه لابن عمه ويكتمونه! هذا والله لو قاله أحد من الصبيان ليُئس من فلاحهم، بل هذه المقولة سُلّم الزندقة.

ثم أن لو نازع الأمر علي وطلبه، مع فرط شجاعته وكمال رتبته وشرفه وسابقته، لبادر معه العباس سيد قريش، ومثل ابن عمته الزبير حواري رسول الله ﷺ، ومثل أبي سفيان بن حرب في بني أمية وأمثالهم.

ولقد صدق الصادق المصدوق حين يقول: «يأبى الله والمؤمنون أن يُختلف على أبي بكر» رضي الله عنه. فقل لي: ما الموجب لمحبتهم لأبي بكر وتقديمه ومبايعته؟ ألفرط قواه أم لكثرة بني تيم وسؤددهم أم لكثرة عبيده وأمواله؟

رجل بويع فغدا على يده أبرادٌ ليتكسب فيها وينفق على عياله، حتى ردّوه وفرضوا له في بيت المال نفقته المعروفة، فقام به وبخليفته عمر الدين وفتحت الممالك وزال ملك كسرى وقيصر والمقوقس وذل الشرك؛ فأرغم الله بأنفك يا باغضهما. ولكن حبك الشيء يعمي ويصم. ولو شاء الله بك الفلاح لأكثرت من قوله تعالى: {ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم} [1]

ثم العجب من الأنصار -الذين حبهم إيمان [2] والذين بايعوا نبيهم على الموت وآووه ونصروه وعادوا جماهير العرب، بل وحاربوا جيوش الروم والفرس والقبط، مع كثرتهم والتفافهم على سيدهم وكبيرهم سعد- كيف تخلوا عنه بمجيء ثلاثة أنفس من قريش غرباء عن بلدهم. فوالله ما انقادوا لهم وبايعوا الصديق إلا لما نُبِّهوا على الحق.

فرضنا أنهم عجزوا عن الثلاثة وجَبُنوا -وهذا فرض محال- أما كانوا يقولون: لا لنا ولا لكم أيها الثلاثة، بل لمن نصَّ الرسول عليه بالخلافة، بزعمك.

فَقَدْتُكَ يا دائص، ما أبطل حجتك وأشد هواك وشنعتك، ففيك شائبة من اليهود الذين جحدوا الحق وقتلوا الأنبياء. لك نفس أبو جهلية ومعاندة إبليسية؛ فلو تركت الهوى ونابذت الجهل وترديت بالعلم وانقدت للإنصاف لأفلحت.

أعاذنا الله وإياك من المكابرة والعناد.

فَكِّرْ فيما تقول؛ فإنك عمدت إلى السابقين الأولين [3] من أهل بدر وأهل بيعة الرضوان و {خير أمة أخرجت للناس} ومن قال الله تعالى فيهم: {أولئك هم الصادقون} [4] فرميتهم بخزية لا تكاد تقع من أوباش الأجناد ولا من مسلمة التتار، بل ولا من كفرتِهم ولا من حرامية الخوارزمية ولا من أذلة المنافقين؛ فأين يُذهب بعقلك؟

فانظر -ويحك- ما تقول وما يترتب على ما تزعم. فإنك تجعلهم شر الأمم وأظلم الطوائف وتنسبهم إلى النفاق وكتمان الدين. فوالله لو جرى بينهم منافسة وخصام على الإمرة -والعياذ بالله تعالى- لما ثنانا ذلك عن حبهم وتوقيرهم، فما زال الأصحاب يتنافسون ويغضب بعضهم من بعض ثم يفيئون إلى الصلح والمودة. فقد تألم موسى صلوات الله عليه من أخيه هارون عليه السلام وانزعج منه وأخذ بلحيته، ثم سكن واستغفر لنفسه ولأخيه. ثم هذان الخيّران أبو بكر وعمر قد اختصما كما في الحديث الثابت. [5] ثم هؤلاء الذين تأبّوا عن بيعة أبي بكر قد وقع بينهم، فقد اختصم علي والعباس رضي الله عنهما في قضية فدك وتحاكما إلى عمر، [6] فكان ماذا؟ ثم وقع بين علي وبين الزبير، وبين علي ومعاوية، وبلغوا إلى السيف باجتهاد كل واحد منهم، والله يغفر لهم ويرضى عنهم.

ثم هذا نبينا ﷺ قد تألم لابنته فاطمة وغضب لها لمّا بلغه أن أمير المؤمنين عليا عازمٌ على أن يتزوج عليها ابنة الشقي أبي جهل، [7] فلما رأى علي انزعاج النبي ﷺ للبغيضة النبوية تَرَكَ الخِطبة، وما نقصت أصلا رتبته بذلك عند النبي ﷺ. فقبَّحَ الله الجهل والهوى.

ثم أين كان علي والزبير وبنو هاشم في قوتهم وشجاعتهم عن قتل رجل تاجر يأخذ الأبراد على يده ويتكسب، قليل المال قليل العشيرة والخدم عديم الحرس والحُجّاب والتحرز، قد نافق وظلم وللنص كتم؟ وما الذي أخّر عليا وذويه عن اغتياله دفعا للباطل وإقامة للحق؟ بل عَلِمَ الفضل لأهله وبايع أبا بكر لسابقته وفضله رضي الله عنهما.

ثم لو قيل: إن كل الصحابة نسوا النص، فمن أين وقع للرافضة، ومن نقله إليهم؟ فهذا كله هوس محال.

وإن قالوا: قد قتل علي طائفةً من قريش فأثّر ذلك نفورا منه لعشائرهم وحقدا في نفوسهم؛ قلنا: هذا تمويه ضعيف وكذب صريح، لأنه إن ساغ لكم ذلك في بني عبد شمس وبني مخزوم وبني عبد الدار وبني عامر، فإنه قَتَلَ من كل قبيلة من هؤلاء رجلا أو اثنين، فقتل من بني عامر واحدا وهو عمرو بن عبد ود، وقتل من بني مخزوم وبني عبد الدار رجالا، وقتل من بني عبد شمس الوليد بن عُتبة والعاص بن سعيد بن العاص، وقتل عُقبة بن أبي مُعيط، في قول. فقد علم من له أدنى علم بالأخبار أن هذه القبائل لم يكن ولا لواحد منهم يوم السقيفة ذِكر ولا عقد ولا حل، اللهم إلا أبا سفيان، كان مائلا إلى عليٍّ عصبيةً ومنافسة لوصول الأمر إلى بني تيم لا للدين. وكان ابنه يزيد بن أبي سفيان وخالد بن سعيد بن العاص والحارث بن هشام مائلين إلى الأنصار تدينا. والأنصار هم قتلوا أبا جهل، وهو أخو الحارث بن هشام. ثم كان محمد بن أبي حذيفة بن عُتبة مع علي على معاوية.

فدعوا القحة وعرفونا من الذي قتل علي من الأنصار حتى يؤول بهم الحقد على كتمان حقه والتخلف عنه، فإن أكثرهم ما حاربوا معه.

ثم قد كان لطلحة والزبير وسعد من قتلى المشركين عِدة كما لعلي، فما الذي خصه بحقد ونفور دون هؤلاء؟

ثم آل بالرافضة قلة الحياء وصفاقة الوجوه وعدم الفكر فيما يتفوهون به إلى أن قالوا: حملَ الحقدُ والشحناء سعد بن أبي وقاص وربيعة بن زيد وابن عمر وأسامة ومحمد بن سلمة وأبا أيوب وأبا هريرة وزيدا، في أمثالهم من المهاجرين والأنصار، على التأخر عن بيعة علي رضي الله عنه.

قلت: ليت شعري أي كلمة خفية نُقلت أنها جرت بينهم وبينه؟ وإنما كان رأي هؤلاء وأشباههم أنهم لا يرون القتال في الفُرقة، فانجمعوا عن المحاربة. فلما وقع الاتفاق على معاوية ونزل له السيد الحسن عن الأمر سُمي عام الجماعة واتفقت الأمة كلها على رجل. وهذا يبين لك أن كل الموجودين في المملكة الإسلامية عامئذ رأوا جواز خلافة المفضول مع وجود الأفضل، فقد كان جماعة من الصحابة بايعوا معاوية وهم بيقين أفضل منه، كسعد وابن عمر والحسن وعدة من أهل بدر والحديبية، فكان ماذا؟ كان خليقا للإمارة شريفا مهيبا شجاعا حليما جوادا كثير المحاسن، على هنات له، فالله يسامحه ويعفو عنه، فهو أول الملوك وأحزمهم، ولم يبلغ إلى رتبة الخلفاء الراشدين، حاشا وكلا.

وكذلك قعد عن ابن الزبير ومروان جماعةٌ من الفضلاء، فلما انفرد عبد الملك بن مرون بالأمر بايعوه وأجمعوا عليه، لا رضًا عنه ولا عداوة لابن الزبير ولا تفضيلا لعبد الملك على من هو خير منه وأفضل. وإلى خَوْن الرافضة المنتهى.

ثم لو كان ما افتروه ممكنا، فما الذي دعا عمر إلى إدخاله في أهل الشورى، فقد أخرج من أهل الشورى قرابته: سعيد بن زيد العدوي البدري أحد العشرة، لكونه من عشيرته، وولده عبد الله بن عمر. فصحَّ أن أهل الحل والعقد هم خير أمة أنزلوا الإمام عليا منزلته، غير مغالين فيه ولا جافين عنه.

ثم لما دعاهم إلى البيعة وبايعه الملأ من المهاجرين والأنصار، ما رأينا أحدا منهم خاف منه لِما سلف منه في كتمان النص -على زعمكم وإفككم- ولا اعتذر إليه من المبايعة لمن قبله، ولا عنّف هو أحدا منهم على جحد النص ولا سبّه، فإنه صار إليه أزمة الأمور وزال مقتضى التقية وتمكن من الأضداد.

تلك عقول لكم كادها باريها وأضلها ولم يرد أن يهديها.

ولا -والله- رأينا الإمام أبا الحسن قال للصحابة وقد قُتل أمير الناس عمر وراح من يُخشى ويخاف: ويحكم كم هذا الظلم وحتى متى هذا الجحد وإلى كم تكتمون نص نبيكم عليه الصلاة والسلام فيَّ، وإلى كم تُعرضون عن فضلي البائن عليكم؟

هب أنه كظم وسكت، أما كان في بني هاشم أحد له شهامة وصدع بالحق يقول لهم هذا الكلام؟ أما كان العباس في جلالته ووقاره قادرا على أن يصرح فيهم بذلك، ولا عقيل بن أبي طالب الذي كان يداريه معاوية؟

فيا لله العجب من الهوى الذي في غلاة الشيعة والكذب.

ثم قل لي: أزالت الرأفة والمراقبة من قلوب سائر المؤمنين وسادة المجاهدين أن يعملوا في حق مثل علي بمقتضى أمر المصطفى ونصه ولا يبوحون بذكره إلى أن يقتل عثمان صبرا ويُبادر قتلتُه حينئذ وغيرهم من الكبراء إلى نصب علي إماما باجتهادهم، ولا يُقوون ذلك بإظهار ما يكتمونه من النص؟

لقد أسمعت لو ناديت حيا ** ولكن لا حياة لمن تنادي

إنها والله لإحدى الكبر، اتفاق جميع خير أمة أخرجت للناس من أوائل المغرب إلى خراسان ومن الجزيرة إلى أقصى اليمن على السكوت عن حق علي ومنعهم حقه، وليس ثَم شيء يخافونه قط ولا أحد يشاقونه. هذا هو المحال الممتنع. ثم من الغد يبايعونه ويطيعونه ويبذلون نفوسهم، مثل يوم صفين والجمل، والرؤوس تندر والدماء كالسيول والمصاحف ترفع على الرماح، والحالة هذه، ولا أحد ينعق بين القوم: ويحكم اتقوا الله وهلموا إلى نص نبيكم.

وهلا نطق الإمام علي بذلك يوم صفين، بل أجاب إلى حكم الحكمين.

وقال هشام بن الحكم الرافضي: كيف لا يجوز عليهم كتمان النص وقد قتل بعضهم بعضا؟

قلنا: يا جاهل، هذا أعظم حجة عليك، لأن عليا أول من قاتل حين افترق الناس، فما لحقهم لحقه. ولكن كان الفريقان مجتهدين متأولين، والله يغفر لهم، وعلي أولى بالحق ممن قاتله من الشاميين وغيرهم، فقد سماهم النبي ﷺ: "فئة باغية". ونحن نكف عما شجر بين الصحابة. وأنت بجهلك تفرق بينهم وتحط على سائرهم فيما لم يتشاجروا فيه. فأي الفريقين أحق بالأمن وأقرب إلى الورع؟

فلما استشهد الإمام علي وقام الحسن ثم أقبل في كتائب أمثال الجبال ومعه مئة ألف عِنان يموتون لموته، فما الذي جعله في سعة من تسليم الأمر إلى معاوية وإعانته على الضلال وإبطال حقه من العهد النبوي إليه وإلى أبيه؟ ثم يوافقه على ذلك أخوه الحسين الشهيد ويسكت، فما نقض يوما بيعة معاوية أبدا. فلما مات معاوية قام الحسين وسار يطلب الإمارة وتحرج من القعود عن الحرب، فقاتل حتى استشهد رضي الله عنه. فلولا أنه رأى مبايعته لمعاوية سائغة لفعل معه كما فعل مع يزيد. هذا ما لا يماري فيه منصف. فإن السبطين سلما الأمر إلى معاوية طائعين غير مكرهين وهما في عز ومنعة وجيش لجب؛ فدل ذلك على أنهما فعلا المباح، وأصلح الله تعالى بين الأمة بالسيد الحسن، وحقنت الدماء وسكنت الدهماء وانعقد الإجماع على مبايعة المفضول الكامل السياسة مع وجود الأفضل الأكمل. ولله الحمد.

ولو امتنع السبطان في ذلك الوقت ونواصي العرب في يد الحسن لا شك أن يكون لهم النصرة على أهل الشام.

فهذا زياد، ومن هو زياد، امتنع، وهو فقعة القاع لا عشيرة له ولا نسب ولا سابقة، فما أطاقة معاوية إلا بالمدارة والملاطفة، حتى ولاه واستُلحق به أخا، وفي هذا عبرة لمن أنصف.

سلَّمنا سابقة علي وتجربته وجهاده وفضائله وأنه أفضل أهل زمانه، فما الذي جعل السيدين السبطين بمنزلته وفي الوقت من هو قريب من أبيهما في المرتبة، كسعد وسعيد، ثم كابن عمر الذي لولا شيء لقُلِّد الخلافة يوم الحكمين. وكذلك لا نجد لزين العابدين علي بن الحسين سبوقا -مع عظمته وشرفه- في علم ولا عمل على سعيد بن المسيب والقاسم وسالم وعروة. وكذلك لا تجدون لأبي جعفر محمد بن علي سبوقا في العلم والعمل -مع أهليته للخلافة- على أخيه زيد وابن شهاب وعبد الرحمن بن القاسم وعمر بن عبد العزيز ؛ ولا لجعفر بن محمد -مع صلاحيته للإمامة- على عبد الله بن عمر وابن أبي ذئب؛ ولا لموسى بن جعفر على عبد الله بن عمر بن عبد العزيز الزاهد العمري؛ ولا لعلي بن موسى الرضا على محمد بن إدريس الشافعي المطلبي. وأما ولد الرضا وحفيده علي بن محمد ونافلته الحسن بن محمد العسكري، فهؤلاء لهم شرف وسؤدد في الجملة، ولكن بينهم وبين زين العابدين وابنه الباقر وحفيده الصادق بون بعيد في العلم والفضل.

وأما ثاني عشرهم المنتظر المعدوم، ففيه قولان لا ثالث لهما البتة: إما إنه وُجد ثم مات، أو لم يكن قط، وهو الأشبه. فأما أن يكون دخل وهو صبي في سرداب بلد سُرَّ من رأى من نحو أربعمائة وسبعين عاما وهو إلى الآن حي يرزق ولا بد أن يخرج ويملأها عدلا وقسطا، وأنه يعلم علم النبي ﷺ جميعه وعلم الإمام علي كله، لا بل علم الأولين والآخرين وأنه لا يجوز عليه سوهو ولا نسيان وأنه معصوم وأنه وأنه... فهذه خرافات الكذابين من الرافضة الذين لا يستيحيون من الله فيما يدعونه. وما نعلم المنتظر الذي هو الآن حي ومن قبل الإسلام بدهر إلا المسيحين، مسيح الهدى الذي هو الآن في السماء، ومسيح الضلال المغلول في جزيرة ببحر الروم، وهو الدجال شر منتظر، الذي يقتله المسيح عيسى بن مريم عليه السلام بباب لد.

ثم هذا ريحانة رسول الله ﷺ الحسين قد تأخر، وقلما روى أو أفتى، لعل مجموع ذلك المروي عنه لا يبلغ ورقتين؛ وهذا ابن عمه عبد الله بن عباس حبر الأمة قد جُمع فقهه في عشرين جزءا، ويبلغ حديثه نحوا من ذلك. وكذلك علي بن الحسين لا يبلغ حديثه وفتياه ثلاث ورقات أو أرجح؛ وسعيد بن المسيب لو جمع علمه وفقهه وحديثه لبلغ مجلدا تاما. وأما أبو جعفر فله روايات وأقوال تبلغ جزءين. وكذلك ولده جعفر، بل أكثر من ذلك. وأما موسى الكاظم فلا يبلغ نصف ذلك.

وهم يقولون إن الإمام من هؤلاء الاثني عشر عنده علم جميع الشريعة. فما بال من ذكرنا مع حُرمتهم وتمكنهم من البلاغ أظهروا النزر اليسير منه وكتموا سائره؟ فإن كان غرضهم كتمان العلم فهذه سماجة عظيمة ومصيبة. ثم لماذا أعلنوا ما يجب كتمانه؟

فدعوا الأباطيل والدعاوى الكاذبة، فإنما العلم بالتعلم.

وإن زعمتم أن الله يعلمهم أو يأتيهم بذلك وحي فقد ساويتموهم بالأنبياء! نعوذ بالله من الخذلان.

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.

هامش

صحيح البخاري 5230 ومسلم 2449

سورة الحشر: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون (8) والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون (9) والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم (10)}

الحديث في صحيح البخاري عن أنس بن مالك: «آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار» وفي مسلم بلفظ: «حب الأنصار آية الإيمان وبغضهم آية النفاق»

سورة التوبة 100: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم}

سورة الحشر 8

صحيح البخاري 3388

صحيح البخاري 4033 . 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق